الخال الأصلي يهجر “المهاجرين”

2 أكتوبر 2023

هاني نديم – نص خبر

لم يكن موت خالد خليفة خارج النسق والسياق السوري رغم فجائعيته بخطف لؤلؤة لامعة من أرض بات خرابها ويبابها يعمي السمع والأبصار. لم يكن الأمر سوى من الإشارات والتنبيهات على أن البهجة خارج النسق في هذا المكان، إن دلالات موت خليفة وسيميائها تقرأ أبعد من جنازته التي اكتظت بالمحبين والمشيعين.

خالد خليفة، الروائي السوري، قدم خلال العقد الأخير عدة أعمال أدبية وثّق بها هذا الموت الذي كان يتسرّب إليه ويخفيه عنا بابتسامته الدائمة وشغفه الأبدي بالطبخ والضحك والنكات الجديدة ومناقشة الروايات الرديئة وقراءة الشوارع وذكريات الصحب وغياب الأصدقاء.

التقيت خالد خليفة قبل ربع قرن، بدأت صداقتنا على الفور دون استعراضات المثقفين ودون أية بلاغات، كنت قد كتبت عن روايته “حارس الخديعة”، جاء إلي من طاولته ومعه فنجان قهوته وبسمته الساحرة ذاتها التي لم تتغير حتى اليوم بعد موته!..

طالت تلك الجلسة ساعتين وأكثر، بعد خمس أو ست جمل قال لي: شكلك “همشري” وقلت له: “شوف مين عميحكي”!  بدا لي أنه قادم من سوق الحميدية بصوته العريض الذي سبقه إلى المقهى وجثته الضخمة وشعره “المكزبر” الكثيف. حدثني عن كل شيء، حتى عن المايونيز وخطورته ودقة صناعته. ثم قال لي: جعنا! قم لنأكل.

في الطريق إلى المطعم القريب، الكل يعرفه، يقبّل الجميع ويقبلونه ويعرف تفاصيل تفاصيلهم ويروي لي شيئاً عنها..

خلال ربع قرن، ورغم أعماله الأدبية العظيمة، لم أسمع خالد خليفة يتعالى باللفظ على أحد، أو يستعرض معارفه وقراءاته على أحد، كان يحدثك وكأنه “ابن عمتك” يروى لك الهامش الغائب عنك في العائلة. لا شيء من ادعاءات المثقفين وتمظهرهم المجاني.. صفر ادعّاء و100% ضحك وبهجة ومحبة تطير في الأرجاء.

قد لا يعرف البعض أن خليفة هو نجم عالمي في عالم الكتابة الحقيقي لا نجم فيسبوكي كمعظم من نراهم. إنه نجم بزغ في السنوات الأخيرة بعد ترجمة رواياته إلى لغات عدة فاختطفته أكثر المنصات أهمية وسافر في رحلات مكوكية حول العالم وعاد منها كلها إلى دمشقه التي لم يستطع أن يغادرها ويتاجر بآلامها من الخارج. احتج وغضب من الداخل وظل فيها يضحك ويسأل كل الأصدقاء عن سهرة اليوم، ويسأل من معي كلما رآني: “مين الخال الأصلي؟ أنا ولا نديم؟”.

 

قد يعجبك ايضا