اليسا توفي بنذرها تغني حافية وتعيد النبض لبيروت

#image_title

“نص خبر”- كمال طنوس

 

تعود اليسا في “أعياد بيروت “خاتمة فرقة عمرها أربع سنوات. تدخل على إيقاع الياسمين والوطن والمدرج المكسو بوجوه الأحبة يهتفون بصوت واحد لملكة الإحساس:” اليسا”.

وسط المدينة النائم على عتمة وشوق بات مسرح ضوء وحب وأهازيج. صنعت اليسا الليل على سماتها حب ولقاء وغناء وعفوية. الجمع الذي حضر لم يكن غريباً بالرغم من تنوعه وتشتت مناطقه وبلاده، جمعٌ من بلاد مختلفة وحدتهم اليسا بحضور فنها وشخصيتها التي لا تتماثل إلا مع نفسها.

دخلت اليسا مدرج غنائها المكتمل الحضور على وقع أغنية “زهرة من ياسمين” الوطنية وخلفها لبنان يلمع على شاشة عملاقة بغاباته وصنوبره وأرزه وبحره وسمائه.

اليسا تلقي السلام على ناسها وتجعلهم في دار قلبها وتقول :”بيروت هي قلبي ولبنان نبضي”. هذا العشق الذي لم يتزحزح مرة في قلب اليسا تعلنه برقة وفجاجة وتدافع عن عشق وطنها حتى باتت عنواناً للوطنية.

لم يكن يلزم اليسا أي مقدمات لتكون ملكة ساحتها، توحدت الوجوه فيها وباتت صوتهم وصداهم. هي تغني وهم الكورال. وهم يغنون وهي ترد الصوت.

بسيطة دخلت على مدرجها الذي يتسع للستة ألاف شخص ممتلئة بالكامل بثوبها الذهبي القصير، بدت متعبة بالكعب العالي لم تستطع تحمل حذائها فقد كانت مثقلة به تترنح من انتعاله فبدل أن يحملها كانت تحمله على تعب ويهز جسدها النحيل، ارتاحت على الكرسي لكن السكون باطل في ليلة الفرح والرقص، والجلوس متعب أمام ايدي تلوح وأصوات تهتف واجساد ترقص وعيون تلتهم ملكتها بشوق وحضن.

صرخوا لها اشلحي الحذاء فردت عليهم : لا شيء مخجل أن أشلح حذائي وأفضل أن اغني وانا على الكرسي. وعندما تمر أغنية “بتمون” و”عايشالك” والجو يصبح حمماً والأصوات تنهار شلالات والناس تتوحد في مقاعدها صوتاً ونغماً، لم يبق أمام اليسا إلا الرضوخ فتريد أن تلتهم الجو أكثر وتشعل وأده وتنتقل بحركتها الحرة نحو قلوب تشاطرها الغناء والقلب. شلحت الحذاء وصارت اليرقة المسجونة الموجوعة في ضيقها فراشة تطير وتغني حافية كأميرة هاربة نحو عرس تتويجها.

ليل اليسا ليس فقط غناءً بل تلك الروح المتجسدة على عفوية على قدرة في هدم كل الاسوار في لحظة، قادرة أن تربط قلبها بالجميع وتجعل المدرج الكبير بيتاً صغير يغني للحب والوطن ويرد الليل لقمره ويعيد خلط النفوس على اتحاد. الكل واحد هنا وهي المايسترو التي تجيد خلط كل هذا الجمع تحت ألوية صوتها المتفرد حناناً وسلاماً وحباً ونهضة.

أغاني اليسا في المجمل ليست للرقص، انها أغاني الروح. فأغنية “العقد” أو “نظرة” أو”بستناك” أغاني تشعل الدواخل بنغم الإحساس  فترقص الروح ليصبح الجسد كله مرهون في ساحة الفرح يتمايل ويهتز على إيقاعات الانسجام والعمق. اليسا قادرة أن تهز الأرواح لا الأجساد.

اليسا افتتحت “أعياد بيروت” ووضعت حجر الأساس للحياة وعودة الروح بعد تخلي وظلمة. هكذا قدمها نيشان :” اليسا بيروت العيد. اليسا هي العيد”.

ساعة ونصف من الغناء وهي تصول على مسرحها تغني وتلاطف احبائها وترسل سلامها بالاسم وضحكتها المعروفة كدق جرس في يوم العيد. تمتلك من العفوية والبساطة والتواضع ما هو كاف ليسرج نياط القلب بحبها. لا تفرط اليسا بما لديها بل تجمعه على ألفة وتعيد عقده على محبة فيصبح الجميع في حضرتها كورس حب والتحام.

لا يلزم اليسا الكثير حتى تصبح كاسحة بمجرد أن أرسلت صوتها في ليل بيروت حتى تصدرت التراند وباتت كلمة وصورة وعبارة تحمل هاشتاغ: “اليسا أعياد بيروت” و”ملكة الإحساس”.

لم يرق للبعض كيف نزعت حذائها فتنمّر وانتقد. ولم يعاين وجعاً كان واضحاً في خطواتها ولا الثقل والترنح من عدم ثباتها فاستل الكلام المؤذي وهي همها عقد الفرح فقدمته حافية كمن يوفي نذراً.

غنت لفيروز فالسهرة لا تكتمل بلا فيروز على حد قولها وغنت لذكي ناصيف وطوني حنا وغنت جديدها وقديمها وقدمت سخائها باحتضان موهبة جديدة مارلين نعمان. غنت معها “انا مش صوتك” ووعدت بإنتاج اغنية لها، فهي لم يعد يهمها نجاحها فقط بل تبحث عن مواهب يجب احتضانها.

كبرت المدينة سنوات دون فرح. وها هي تعود يافعة شابة أعلنتها اليسا بحفلها وبكل القيميين على هذا المهرجان حيث نصبوا مصابيح الضوء في العتمة ونشروا العذوبة في الوحشة وأنعشوا الليل بعد الظلمة. واليسا كما بدأت بالياسمين ختمت مع الألعاب النارية وعقدت وعداً مع الامل على أن يبق الفرح صوتاً يصعب اسكاته.

ليلة لا تمر سدى بل أوقفت القمر شاهداً وكان بالأمس بدراً يعلن لو اختفت النجوم بعد هذه السهرة لكن الشمس حاضرة لتخبر عن ليل اليسا الحياة والفن. وهذه هي الحقيقة الوحيدة التي يتفاخر بها كل لبناني أمام العالم.

 

 

 

 

 

قد يعجبك ايضا