“نص خبر”- كمال طنوس
يتبوأ مسلسل “بالدم” الصدارة بين الاعمال الرمضانية الدرامية. هذا العمل الذي يعيد مجد الدراما اللبنانية إلى القمة ويجعل منه الرقم المستعصي الذي لا ينافسه أحد. قصة وإخراجاً وأبطالاً.
جرأة الأنتاج وانتفاضة الرؤية
المنتج جمال سنان الذي أخذ المبادرة من خلال شركة إيغلز فيلم لإنتاج عمل لبناني خالص من ألفه إلى يائه متخطياً كل مقولات التعريب الناجح والأعمال المشتركة التي يميل قبان الذوق لها. ليفرض حقيقة أخرى ليست بمغامرة بل بثقة بأن الدراما اللبنانية تنافس وبقوة لتكون الأولى ويحتذى بها، بعد أن وضعت على الرّف لسنوات وكانت تحبو بطلوع النفس، باتت بعد “بالدم” وقبله “على أمل” العام الماضي أن يعيد الثقة ويرمم تلك الصورة الضعيفة الباهتة عن الدراما اللبنانية.
لا بل تخطى التقييم العادي واستطاع هذا العمل أن يكرس بأن الطاقات اللبنانية هي من بين الأمثل فنياً على كافة الصعد. “بالدم” قصة لبنانية ومخرج لبناني وممثلون لبنانيون وأجواء لبنانية .
نجوم سطعوا كانبلاج الضوء في عز العتمة ونشروا شعاعهم بكل الاتجاهات يحكون عن الواقع اللبناني والأماكن اللبنانية لتحاكي كل شعب وكل مشاهد أينما كان. لأن الفن النجاح هو الذي يكون لسان حال كل انسان وكلما لامس الاخر كلما كان موفقاً.
الأسباب التي جعلت بالدم يكون في طليعة الأعمال الرمضانية التي تعد بالعشرات:
- القصة الغنية المتشعبة المحبوكة
القصة هي ركيزة العمل. هذه القصة الواقعية المحبوكة بدقة دون تطنيب ودون تكرار بل رص متكامل قوي محبوك. نص غزير بالقصص المتفرعة .كل قصة بحد ذاتها تستحق أن تكون عملاً منفرداً. جمعتهم نادين جابر بمخيلة خصبة ومتشابكة وخلصت إلى عمل مميز متدفق منهمر لا يجاريه أي عمل أخر بحبكته وقوته وتشعبه ونضارته وواقعيته. انها الكاتبة الرشيقة والجدية والمبدعة. مضاف لذلك قدرتها على توزيهع نكهات عديدة في النص بين الشر والخير والدراما والفكاهة وكل ذلك في صحن واحد غير مسبوق النكهات والتوازن.
- الممثلون المبدعون وابتكار شخصيات من خارج المعهود
الفريق التمثيلي الذي يبدو كل واحد منهم بطل بحد ذاته. لا يوجد بطولة واحدة ولا شخص واحد يتفوق على الاخر. شيء من الديمقراطية الكاسحة تعم الأجواء. بالرغم من قوة وقدرة ونجومية ماغي بوغصن التي حملت العمل في دمائها وراحتيها لكنها ليست البطلة المطلقة بل هذه البطولة متشعبة بالرغم من أنها صاحبة شركة الإنتاج إلا انها مدت أزرعها وقلبها بكل الاتجاهات وفتحت الباب للفن أن يدخل بكل هوائه فجلب هذا العمل التحفة وفتح رئة الفن نحو عمل استثنائي قلما نجد مثل هذه العقلية المنفتحة والواثقة. متخلية عن الإيغو الفني الذي يسيطر على معظم النجوم وحققت الابهار لصالح الفن. وحافظت على ترفع وعقلية في الفن تحسب لها في الإنتاج.
حضور الشخصيات المبهرة المركبة الصعبة
وجود شخصيات فنية ذات طابع مسرحي وابداع يتخطى المعروف. كشخصية عدلة التي أخذت القلوب وحلقت في سماء جديد وعصب جديد وابتكار جديد ربما سيصبح تقليداً بعدها بشخصية سينتيا كرم.
كبار السن هم الابطال والنجوم
هذا المسلسل هو الوحيد الذي يرتكز في بطولته على كبار السن من المخضرمين. حيث فتحت الأبواب والأدوار أمامهم في قصص حب وغزل وتآمر لا نجدها في أعمال أخرى، بوجود جوليا قصار ورفيق علي أحمد وسمارة نهرا ونوال كامل ورندا حشمي وجناح فاخوري وغبريال يمين وسواهم . هؤلاء المنسيون أغلب الأحيان وضعوا في الطليعة وتفوقوا ورشوا بخورهم ونكهتهم المستعصية في لكّن عجينه أطيب ورائحة خبزه أروع.
لا نصغر بل نكبر فريق التمثيل الشاب من ماغي بوغصن ووديع أبو شقرا وجسي عبدو ورولا بقسماتي ووسام فارس وكارول عبود وغيرهم الكثير عندما نقول إن الأبناء كبروا وتعلموا من مدراس الاباء وتفوقا معاً كعائلة في تجربة الفن ليخلقوا إبداعاً وتميزاً موروثاً من جيل إلى جيل.
الإخراج – رسالة
كاميرا فيليب اسمر التي لا تخطأ بل تزين وتضيف على النص وعلى الشخصيات ضوءاً وإبهار. عندما اختار مدينة البترون بأحيائها القديمة للتصوير في ذاك المناخ التراثي، ليلف العمل بتلك الأسطورة التاريخية والجمالية التي يسكنها الحنين. فجاء بالبيت قرميدي والمكتب من مربع العقد الطاعن في السن ،ومكان الحوار واللقاء في ميناء بسيطة وبحر وسفن ، معيداً للحجر والأدراج القديمة رونقها الأخضر . كل هذه المناخات المستعادة هي فرجة وواجهة لبنان وتاريخه وجماله وخصوصيته جعلها فيليب أسمر علماً للعمل لتكون الصورة مشبعة بطيات الزمن والمعاني العميقة المؤثرة.