16 يونيو 2023
وسم كنعان- دمشق
الحالة العامة للغناء العربي هذه الأيّام يشوبها النشاز والصخب والعبث بالموسيقى وتشويه الأذن السمعية، والتمثيل بجثة الذوق العام! لكّن هناك استثناءات تجابه هذه الحالة، وتبددهاً و وتردّها على أعقابها. ليست هذه الاستثناءات هي التي تؤكد القاعدة، إنما تشكّل بحد ذاتها قاعدة أصيلة. كونها تتشكل من أصوات ماسية قوية، ومتماسكة ومثقفة، وقادرة على الغناء لساعات طويلة على المسرح بعيداً عن برامج الفلاتر والتنقية والرياء المبرمج!
سارة فرح إحدى تلك الأصوات التي تنتمي إلى زمن العمالقة فعلاً. كيف لا وهي من بلاد أنجبت أسمهان و صباح فخري وميادة الحناوي ومصطفى نصري … مع ذلك لم تعرف فرح حتى اليوم طريق الشهرة الواسعة التي سلكها بعض زملائها، لكنّها تبدو غير مكترثة. مزاجها معتدل دوماً. لا يعنيها الصيت المدّوي، ولا الأجر الخرافي، ولا سلاسل الحفلات التي لا تتوقف أو طوابير المعجبين. تؤمن بأن تسبك خطواتها بمتعة من دون تذمّر أو إحساس بالخلل، بل بأكبر جرعة من المتعة!
نالت الجنسية السويدية حيث كانت تقيم منذ فترة، لكن دمشق حلمها وملاذها الأوّل والأخير، لذا فهي تتمنى الاستقرار مجدداً هنا. أيّ في المكان الذي بدأت تتلمّس فيه خطوات درب مختلف عما امتهنته، بعدما منحها سيف الدين السبيعي فرصة التمثيل في مسلسله «قناديل العشاّق» (كتابة خلدون قتلان). حينها أحرجت فرح كلّ من غنى في هذا المسلسل بسبب الفارق الواضح في المقدرات والكاريزما الصوتية. تلتها تجربة في «مقامات العشق» (عن سيرة الشيخ الصوفي محيي الدين بن عربي- كتابة محمد البطوش وإخراج أحمد إبراهيم أحمد- تلفزيون «أبو ظبي»). إذ لعبت فرح دور عتاب «وهي مربية الشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي التي كانت تعيش معه، ولم تتخل عنه بعد وفاة أهله بقيت إلى جانبه وساهمت في تشكيل حالة معينة لديه. كما تخطت مساهماتها في الدراما مجرد التمثيل وأدّت بصوتها تتر مسلسل «عندما تشيخ الذئاب» (عن رواية إبراهيم ناجي-حازم سليمان وعامر فهد).
أسعى فعلياً لاحتراف التمثيل ومن دواعي ارتياحي أن تأتيني الأدوار التي تحتاج إلى مقدرات غنائية وموهبة إضافية
«أسعى فعلياً لاحتراف التمثيل ومن دواعي ارتياحي أن تأتيني الأدوار التي تحتاج إلى مقدرات غنائية وموهبة إضافية». تقول فرح في حديثٍ سابق معنا.
أما هذا العام فقد كانت على موعد لتكريس ما سعت إليه في الأدوار التمثيلية التي تحتاج إلى مقدرات غنائية وأدّت دور غجرية في مسلسل «الزند» (عمر أبو سعدة وسامر البرقاوي) وفيه لمعت بتجسيد مجموعة أغاني بلهجة بدوية وبطريقة استعراضية فأعادت إلى الأذهان شخصية فضة التي قدّمتها النجمة أمل عرفة في مسلسل «خان الحرير» (نهاد سيريس وهيثم حقي)
آخر ما حرر، نشرت فرح Cover أخيراً «كل مرّة تقلي آسف» (كلمات فيصل بن تركي وألحان صالح الشهري) من ألبوم «شرطان الدهب» لراشد الماجد تطلّ فرح في عملها هذا بأسلوب بدأ ينتهجه المكرّسون ليمنحوا مشاهديهم إحساس الحضور بشكل مباشر من دون استعراضات الفيديو الكليب، وبسوية أدائية تخاطب فيها مكامن حساسة لدى المشاهد. تكشف نجمة «ستار أكاديمي» هنا عما هو معروف أصلاً في مقدراتها الغنائية الخاصة، لكنها تضيف مساحة تضيء على تمتعها بإحساس عال، وفهم عميق للغة الجسد أثناء الأداء المنساب مثل شلال مياه عذبة!