24 مايو 2023
ابتهال أحمد – كاتبة وباحثة سورية
قيل إن من يُحب يرى الكون بعينين ليستا في رأسه، حتى أن الهوى ليس إلا هوى المحبوب، ويقال أيضاً إن بعض الحب مسٌّ من سحر يحتل الفؤاد، ويسلب لب العقل، كل هذا وأكثر حدث في وقت مضى مع شاب حتى هذه اللحظة لم يُعرف اسمه قط، لفرط ما أحب إليف سمي – عاشق إليف – وأحيانا نادوه بـ: محبوب إليف.
أحب الشابان بعضهما طويلاً حتى قررا الزواج ، إلا أن والدي إليف قابلا هذا القرار بالرفض، وحاولا بكل الطرق والوسائل أن يثنيا إليف عن قرارها بالزواج منه ، وعندما فشلا بذلك حاولا اختلاق الأعذار ، والبحث عن طريقة تؤخر زواجهما، وكان أمر الله قد وقع ووافق هواهما، لقد أصيب الشاب بمرض السل الذي أقعده طريح الفراش..
ظاهرياً أبدى والدا إليف الحزن لمصاب الشاب، إلا أنه في أعماقهما اعتبرا مرضه استجابة الله لدعائهما، واستغلا ذلك بأن وضعا شرطاً ليتم زفاف الشابان بأن يدخل عاشق إليف إلى المشفى في المدينة ليتلقى علاجه وما إن يستعيد صحته ويخرج من المشفى حتي يقام حفل الزفاف .
كان والدا إليف يعرفان أن غالبية من دخل إلى المشفى بمرض السل خرج منها محملا على الأكتاف، ولا يذكرا أنهما سمعا أحدا نجى منه. حتى الشاب نفسه كان يعرف ذلك بالفعل، وهو ما جعله ينهار فور معرفته بمرضه ، ورفض الذهاب إلى المشفى لتلقي العلاج ، كان يقول أنه الآن بين فكي الموت ولا يريد أن يمضي أيامه الأخيره بعيداً عن أحبابه وحيداً على سرير أبيض، بارد في مشفى بعيد .
لكن إليف كانت تخبره أن عليه الذهاب للمشفى وعليه تلقي العلاج وأن صحته ستعود أفضل مما كانت عليه وأنها في القرية تنتظر شفاءه ليتزوجا. لم يشأ الشاب أن تنتهي حياته رافضا طلباً لإليف ، لذا ذهب ليتلقى العلاج.
ومرت الأيام ..وهو هناك وحيد على سرير أبيض، يسمع الأصوات القادمة أليه من الخارج، يدقق النظر كل مرة في يد الباب ما إن سمع صوت خطوات قريبة منتظراً وجه إليف يهل عليه، لكن لم يدخل من الباب سوى الأطباء والممرضين قاتلين بذلك أمل الشاب مرة تلو الأخرى. ومع مرور الوقت كان السل يتغلغل في رئتيه فاتكاً بهما ، لتسوء حالته أكثر ويقترب من الموت أكثر .
ولذا كتب رسالة من جملة واحدة إلى إليف قائلاً فيها:
الموت هو الموت
ولكني إن رأيت وجهك لمرة واحدة
لو سمعت صوتك مرة واحدة فهذا هو شفائي
كان هذا كل ما كتبه في الرسالة التي وصلت بعد أسابيع إلى يد إليف، وما إن استلمت الرسالة حتى أخبرت أهلها بالحالة التي وصل لها حبيبها طالبةً منهم السماح لها بالذهاب إليه، ولكنهم منعوها من الذهاب إليه تاركين حبيبها هناك في مشفى المدينة ينتظر قدومها قائلا لنفسه اليوم تأتي إليف.. وغدا تأتي إليف؟
لن تتركني هنا وحيداً في المشفى، ولكن مرت أيام وأسابيع وإليف بعيدة..
وضع حبيبها يزداد سوءاً ، فقد كان الانتظار من جهة يشعل نارا لا تنطفئ، ومن جهة أخرى كان السل قد ذهب بعافيته كلها ..
قيل أنه في أيامه الأخيرة قطع الشراب والطعام، وطلب منهم تحضير تابوته قبل أن يقطع الكلام نهائيا ..
بعدها بأيام قليلة سلم روحه هناك وحيداً على سريره في مشفى المدينة ..
مات دون أن يرى إليف. إليف التي وجدوا هذه ال Türkü مكتوبة لها على ورقة ومخبأة داخل قبعته، ولقد أراد أهله أن تُقرأ ليسمعها الناس أثناء جنارته لتتحول بعد ذلك إلى أغنية شعبية عن الحب الذي مضى مع صاحبه إلى القبر .