آسر المقتبس من إيزيل: محاولة فاشلة لسجن الدراما في قوالب باهتة

بيروت_ نص خبر

بين طموح التجديد وواقع التنفيذ، يقف مسلسل أسر المعرب (بطولة باسل خياط، باميلا الكيك، خالد قيش، سامر المصري، زينة مكي) كدليل مؤلم على أن الاقتباس من أعمال ناجحة لا يضمن النجاح بالضرورة، خاصة حين يُنتزع العمل من سياقه الأصلي ويُعاد تشكيله بصورة بلا روح. المسلسل، وهو النسخة العربية المعرّبة من المسلسل التركي الشهير Ezel (إيزل)، جاء محمّلاً بالوعود، لكنه سلّم جمهوره إلى خيبة واضحة.

قصة مألوفة بلا نكهة

تدور أحداث أسر المعرب حول شاب يُدعى مجد، يخونُه أصدقاؤه المقربون وحبيبته، ويتآمرون عليه لإدخاله السجن ظلمًا. بعد سنوات من العذاب خلف القضبان، يعود بهوية جديدة، مدفوعًا بالرغبة في الانتقام، لكنه ممزق داخليًا بين الحنين والخيانة.

القصة بحد ذاتها ليست جديدة، لكنها في نسختها الأصلية، إيزل، قُدمت بإتقان درامي عالٍ، وترابط نفسي عميق، جعل منها واحدة من أكثر المسلسلات التركية شهرة وتأثيرًا. أما في أسر المعرب، فجاءت الأحداث باهتة، متثاقلة، تفقد الكثير من زخمها نتيجة الإيقاع البطيء والمعالجة السطحية.

بطولة باهتة رغم الأسماء الكبيرة

ضم المسلسل أسماءً بارزة في عالم الدراما العربية، على رأسهم باسل خياط في دور آسر (الشخصية المعادلة لإيزل)، وباميلا الكيك في دور حياة (المعادلة لإيشان في النسخة الأصلية)، إلى جانب عدد من الوجوه المعروفة التي لم تُنقذ العمل من السقوط.

باسل خياط، المعروف بقدرته على تجسيد الشخصيات المعقدة، بدا هنا مكبلاً بنص مرتبك وإخراج باهت، فيما ظهرت باميلا الكيك بصورة أقل تأثيرًا من المعتاد، غير قادرة على حمل الشخصية المركبة التي تحمل في داخلها خليطًا من الذنب، الحب، والأنانية. الشخصيات الثانوية لم تُمنح العمق الكافي، فظهرت ككائنات درامية بلا دافع، بلا ماضٍ، بلا بوصلة.

دراما تركية مُعرّبة: النسخ بلا روح

ينتمي أسر المعرب إلى موجة “الدراما التركية المعرّبة”، التي تسعى إلى إعادة تقديم نجاحات تركية بصيغة عربية. لكن المشكلة أن هذه المعالجة غالبًا ما تفشل في تكييف النص بما يلائم السياق الثقافي العربي دون أن تفقد جوهر العمل الأصلي.

في حالة إيزل، كان العمل الأصلي مشبعًا برمزية أدبية مستمدة من رواية “الكونت دي مونت كريستو”، مزج بين الأسطورة والواقع، بين الانتقام والحب، محمولًا بأداء تمثيلي قوي وإخراج بصري ساحر. أما في أسر المعرب، فتم تجريد القصة من عمقها، وفقدت الشخصيات توهجها، وتحوّلت لحلقات تكرارية دون تصعيد فعلي أو توتر درامي حقيقي.

بين آسر وإيزيل.. مقارنة تكشف الفجوة

عند مقارنة أسر المعرب بنسخته الأصلية إيزل، تتضح الفجوة الكبيرة بين العملين على مختلف الأصعدة. في إيزل، كان الإيقاع مشدودًا، متصاعدًا، ومليئًا بالتوتر، مما أبقى المشاهد مشدود الأعصاب طوال الوقت. أما في أسر المعرب، فالإيقاع بطيء إلى درجة الملل، يفتقر إلى التصعيد، ويُغرق المشاهد في رتابة خانقة. الشخصيات في المسلسل التركي كانت معقدة ومبنية بعناية، تحمل تطورات نفسية عميقة تعكس صراعاتها الداخلية، بينما ظهرت في النسخة العربية تائهة، سطحية، وذات سلوكيات غير مقنعة. الحبكة الأصلية كانت متشابكة ومترابطة بإتقان، تُحركها دوافع منطقية وتوتر درامي محسوب، في حين عانت النسخة العربية من تفكك واضح، وغياب الترابط الدرامي الحقيقي. حتى على المستوى الإخراجي، تمتع إيزل بجمالية سينمائية قوية، من حيث التصوير، الإضاءة، والموسيقى التصويرية، بينما بقي أسر المعرب حبيس النمط التلفزيوني التقليدي، بلا أي لمسة فنية مميزة. الهوية الثقافية شكلت أحد أبرز عناصر قوة النسخة التركية، التي حافظت على روحها المحلية بذكاء، فيما بدت النسخة المعربة مشوشة، لا تنتمي تمامًا إلى البيئة العربية ولا احتفظت بملامح الأصل التركي، وكأنها نسخة بلا جذور.

أسر المعرب ليس مجرد مسلسل فشل في شد الانتباه، بل هو نموذج لكيفية ضياع الأعمال الفنية حين تُفقد هويتها وتُعالج باستخفاف. الاقتباس ليس جريمة، لكن سوء الاقتباس جريمة فنية كاملة الأركان.

كان من الممكن أن يتحول هذا العمل إلى تجربة ناجحة لو تمتع بالشجاعة الكافية لإعادة تخيل النص بدلاً من نسخه، وللأسف، ما وصلنا هو مجرد ظل باهت لعمل أيقوني.

قد يعجبك ايضا