“نص خبر”- كمال طنوس
“آسر” المسلسل الدرامي الذي يبدو كعمل وثائقي لحياة أصدقاء استبد بهم الطمع والشر.
أصدقاء تآلفوا مع الرذيلة والخيانة من أجل المال وإلباس تهمة الغدر لرفيق عمرهم. أصدقاء عاشوا معاً حياة طويلة منذ نشأة الطفولة حتى الشباب. وعندما اشتد عودهم اختاروا الغدر من أجل تحقيق أحلامهم. فكانت وقدة الشر قوية فسرقوا محل مجوهرات ولفقوا التهمة لصديق العمر.
باسل خياط “آسر” هو الضحية يقدم في هذا العمل شخصية هادئة تغلي من الداخل ومستكين كصخر من الخارج. خياط الذي يؤدي دوره الصعب معتمداً على لغة العيون وشرر النقمة يطير من نظراته.
“آسر” عمل اجتماعي رومانسي لكنه أيضاً نفسي حاكه الكاتب بالكثير من العمق وسلط المرايا على دواخل الشخصيات فجاء الحوار نطق داخلي وصدى الذات التي لا تقال إلا في الصمت وصوت الضمير يحدث ذاته في كل مشهد.
باسل خياط يؤدي لغة صامتة تضج بالتعابير
باسل خياط يؤدي دوراً صعباً ومعقداً يعتمد فيه على التعبير الصامت والحركة الجسدية أكثر منه على الكلمات المنطوقة. حيث الحوار قليل ومكثف في جمل قصيرة. والتعبير والأداء يجب أن يشي بكل ما يجول في الداخل.
فباسل الذي يؤدي دور “آسر” البطل الذي خانه اصدقاءه وحبيبته يحمل في داخله دورين دور “آسر ” الثري والقوي والذي أتى لينتقم من أصدقاء العمر ويعيد لحمة حياته التي تدمرت بالظلم والخيانة. ودور” مجد ” الذي زج به في السجن المؤبد واستطاع الفرار مع تغير الشكل بالكامل ليصبح آسر الذي من الصعب التعرف عليه.
كل الأدوار الأخرى التي يؤديها الممثلون من خالد القيش”راغب ” وسامر المصري شخصيات تبدو اعتيادية، مع التنويه لشخصية راغب التي تبدو غير متوازنة وشخصية ضحلة بقيمها وشرسة بطبعها يؤديها خالد القيش بطريقة ملفتة ومعبرة وقد يكون هذا الدور هو المرآة الحقيقية لقدرة خالد القيش على التعبير عن ذاته الفنية كممثل قدير.
باميلا الكيك تحفة العمل منحوتة بألوان عديدة
أما باميلا الكيك وهي الشخصية المحورية في العمل. فظهرت على انها “كميليون” الفن أي الممثلة التي تستطيع أن تخلع جلدها في كل مرة وتتلون بعدة شخصيات. فدورها بشخصية “حياة” دور مرهق ومتعب. فهي التي تؤدي دور الطفلة والمراهقة والشابة والسيدة في آن واحد. وعليها في كل مرة أن تعطي ملامح كل عمر ولأن أساس العمل قائم على الضمير والابعاد النفسية والفلسفية فقد جسدت دورها بالكامل كتحفة منحوتة تعطي الشخصية ابعادها الفذة التي تصل القلب بسلاسة.
فجاءت بروح الطفلة المعذبة التي يستغلها والدها الشرير وجاءت بلعنة المراهقة التي نشأت على الأفكار والاعمال السيئة من النصب واللصوصية. وباتت صبية عاشقة وحالمة لكن الغدر والمصلحة والخوف يتغلغل في داخلها. وباتت السيدة الممزقة التي تريد الرفاهية تعيش حياة الكذب وبنفس الوقت شيء من وميض البياض والخير والحب ينبت في داخلها.
استطاعت باميلا الكيك أن تبلع “حياة “بكل تعقيداتها وتشظيها. وتقدمها شخصية كاملة واضحة ومعبرة، بكل اكسسواراتها وضياعها وحملت التغيير العمري دون انزلاق واهٍ بل استطاعت أن تطوع شخصيتها فكانت طفلة وكانت شابة وباتت سيدة. وهذا يحسب لها كقديرة تحمل جسدها وصوتها وملامحها كل هذا التغيير دون اخفاق, لا بل قدمت ذلك بإعجاز لنقول انها ممثلة لها في العمق جذوراً طويلة ومعمرة.
الكاتبة ملهمة ترفع لها الأعناق
سمة هذا العمل العمق والفلسفة وهذا أمر شائك عند خلطه مع الدراما المسلية والمشوقة. لكن العمل قدم محتواه بجودة عالية ومتمكنة والفضل يعود إلى كاتبة النص رغداء شعراني التي جاءت بسيناريو ترفع له الاعناق فقد قدمت خلطة مواربة ناجحة ونضرة وعميقة. واستطاعت أن تحول العمل إلى لحم طازج من البيئة اللبنانية والسورية والعربية ويصعب أن نقول أنه معرب.
المخرج يقدم عملاً بين الوثائقي والدرامي بلغة إنسانية
اما المخرج فكانت مهمته شاقة في توزيع الأدوار بين الحاضر والماضي وكأنه يصور وسط بهو واسع وأمامه شبابيك عدة تطل على الماضي في كل مرة يفرد لنا المشهد من نافذة جديدة ويعيدنا إلى الخلف والماضي في رحلة طويلة شباكها يمتد مع الحاضر في تشعب صعب وملهم. وجعل من الدراما عمل انساني لكن في نفس الوقت عمل وثائقي يوثق الماضي المرير بالحاضر المتغير ويفتح أمام المشاهد أغوار جديدة وشخصيات لها أعماق متجددة ومتغيرة خلال رحلة العمر والزمن.
عباس النوري شخصية نورانية فلسفية تحمل الكثير
عباس النوري “رستم” انه الشخصية المتفجرة بحضوره سيغير مسار كل الشخصيات لا سيما مجد الذي بات آسر فيما بعد. شخصية ماسية فلسفية شيقة تحمل الكثير. طلّ امامنا في الحلقة الخامسة وحمل معه الكثير من الجاذبية وسيكون شخصية محورية في العمل فهو كنز من التجارب والقوة. وربما من اكثر الشخصيات التي ستجعل هذا العمل خارج السياق المعهود. لان الحوار وتسليط الضوء يعتمد على توجيه الكاميرا إلى الصوت الداخلي للبشر وعلى هذا الصوت تبنى الأحداث.