أشرف أبو اليزيد: أنا بنّاء جسورٍ ثقافية لتعبر القيم الإنسانية السامية

شاعر وروائي ومترجم ورسّام ومصمم جرافيك ورحّالة

 19 مايو 2023

حاوره: هاني نديم

دخلت الصحافة ذات يوم “أغبر” قبل أكثر من ربع قرن، وكان أشرف أبو اليزيد أحد أسبابه المباشرة، كان يعمل في مطبخ إعلامي له صولة وجولة في الوطن العربي، يكتب ويحرر ويضبط اللغة ويترجم ويقوم بتحقيقات ميدانية ويرسم المجلة ويصمم لها الـ “ماكيت”.. سقى الله أيام الماكيت! كان يقوم بكل شيء تقريبا وعلينا أن نقرأ.. أن نقرأ فقط.

أشرف أبو اليزيد شاعر وروائي ورحّالة صدر له أكثر من خمسين مؤلفاً وترجمت أعماله إلى أكثر من عشرين لغة وما زال يترجم ويكتب ويسافر. سألته:

* تترجم وتكتب الرواية والشعر وترسم وتصمم ولديك أكثر من 50 مؤلفاًُ.. هل أنا محق بأنك لم تأخذ حقك عربيا كما أخذته عالميا؟
– لعلي أجيب على السؤال بآخر: وهل يُطرب زامرُ الحيّ؟ وربما استدعي لك من التراث قول الإمام الشافعي “الليث أفقه من مالك، إلا أن أهله لم يقوموا به!” لكنني لن أناقض ذاتي، لأن العالم كله حدود خريطتي، وكذلك أهله، فإذا كنتُ من المنادين بإنسانية الأدب، وعالمية الإبداع، ذلك أنني أحيا كمواطن كوزموبوليتاني، تلف قلبه غلالة شافة بألوان وطنه، لكنه يرى عائلته في كل مكان، وتحت أكثر من سماء. فعائلتي البيولوجية في مصر، لكن أسرتي الكونية – كرحالة أبدي – تتوزع عبر مئات المدن، ويعوّضني ذلك الفضاء المتسع بكرمه وتقديره عن ضيق الأفق كثيرًا بشحه وتقتيره. أما كتبي فهي عائلتي الافتراضية، التي تحمل صوتي وحروفي عبر الحدود، وفي وقت الحظر، كنت مقيدا، بينما تحررت هي وتحدثت باسمي بأكثر من لسان.
هل يُطرب زامرُ الحيّ؟ أقول ما قاله الإمام الشافعي “الليث أفقه من مالك، إلا أن أهله لم يقوموا به!”
* كيف تصف علاقتك مع الوسط الثقافي المصري والعربي؟ هل أنت في عزلة أو شيء من هذا القبيل؟
– إذا كانت العزلة ألا تشترك في النميمة، وألا تضيع الساعات لغوًا بمقاهي وسط المدينة، وألا تتحالف في المؤامرات الشخصية، وألا تشارك بالتوافقات لتبادل المناصب واللجان والمكافآت الوهمية، وألا تحضر ندوات لم يقرأ فيها أحد كامل ما سيناقشه أو بعضه، وألا تتسول الجوائز والسفر، فأنا سيّد أهل العزلة. أؤمن أن هذه العزلة هي مفتاح خزانة وقت أدّخره للقراءة والكتابة والترجمة وممارسة هواياتي الأثيرة، مثل مشاهدة كرة القدم العالمية والطبخ، فأنت تعلم كم أجيد الطبخ، خاصة أطباق مطابخ آسيا كالتشيكن ماكني الهندية، هذا ما اكتسبته من والدتي أطال الله في عمرها.
ثم أنني أكتفي بالظهور في برنامج تليفزيوني ضيفا أتحدث فيه عن كتاب لي صدر حديثا، أو رحلة عدت منها مؤخرا، مانحاً حرية متابعة الشاشة لمن يريد. بالمقابل جدولي متخم بفعاليات تتجاوز الجغرافيا الإقليمية، سأحتفل السبت افتراضيا مع نيجيريا بالذكرى العاشرة لرحيل أيقونة الأدب الأفريقي شينوا آتشيبي، ثم أسافر إلى بوسان الكورية لتوقيع مذكرة حماية حقوق المهاجرين، كرئيس لجمعية الصحفيين الآسيويين، وأعود للمشاركة بمؤتمر منظمة كتاب العالم في روسيا، قبل السفر مجدداً إلى كولومبيا ملبياً دعوة مهرجان ميدلين الدولي للشعر في دورته الثالثة والثلاثين، وبعدها فنزويلا لحضور مؤتمر حركة الشعر العالمية الأول في كراكاس…
ربما نحن أسرى أزمنة التفاهة، مضمارنا الهامش، بينما المتون متخمة بانشغالات لا تؤسس مدناً نحلم بها.
* كيف نصل إلى يوتوبيا أدبية وشعب مدينة فاضلة؟ ما الذي ينغّص المشهد العام؟ وإلى أين تمضي بمشروعك؟
– أعُدُّ نفسي بَنّاء جسور ثقافية، ومشروعي أن يتّسع هذا الجسر لإبداعات العالم وقيمه الإنسانية المحرضة على تبني مفاهيم إيجابية تُعلي من إنسانية البشر وتحفظ لهم آدميتهم، وتمنحهم حقهم في استحضار الجمال ومعايشته، هكذا أترجم لأصوات تدعو للسلام وحب الطبيعة وحماية أمنا الأرض. هذا لب سلسلة إبداعات طريق الحريري التي أسستها قبل سبع سنوات… حين تتأمل عناوين (أنطولوجيا طريق الحرير) تكتشف أن استجابة شاعرات وشعراء العالم هي صدى لرغبتهم في أن يتحدوا لا أن يتحاربوا، فكانت هناك مئات الأسماء الوازنة التي اشتركت في إصدارات (آسيا تغني)، (أمواج المتوسط)، (مصريون قدماء، شعراء معاصرون)، (ألف ليلة وليلة، ألف قصيدة وقصيدة) وأخيرا (قصائد نانوية من أجل أفريقيا)… لا أنكر أن ظلال المشهد غير الأدبي يغذي صعوبات الوصول لمدن فاضلة على أرض الواقع، ربما نحن أسرى أزمنة التفاهة، مضمارنا الهامش، بينما المتون متخمة بانشغالات لا تؤسس مدنا نحلم بها.
قد يعجبك ايضا