أشرف أبو اليزيد في متحف الكاتب العاشق في كاوشيونج

7 ديسمبر 2023

أشرف أبو اليزيد- خاص نص خبر

كانت الحافلة تتأرجح بنا وهي تتهادى على طريق متعرجة وضيقة متفرعة من  طريق كاوشيونج 109 العام، لتتوقف بنا على مشارف معبد تشاو يوان، في المدينة الميناء الواقعة جنوب غربي جزيرة تايوان.

لا عجب في أن الفراشات الذهبية تحلق أمامنا وكأنها تسابقنا الخطى أو تدلنا على الطريق، فنحن على مشارف وادي الفراشات الصفراء.

ما إن عبرنا الجسر الحجري، حتى رأينا لوحاتٍ معدنية مصبوبة بها حَفْرٌ لأكف، ونصوص، وخربشات تواقيع، ورسوم. هذه هي الآثار الموزعة في حديقة وممر الأدب التايواني. وضعتُ كفي على أحدها، ونظرتُ للمصور، لا أدري كأني أتوقع أن تفتح كفَّي شاشة تترجم النص أمامي، أو أن يأتيني صوت صاحبه من الغياب!

خريطة المكان

 

في خريف عام 1996، اقترح صديقي الطبيب والشاعر  التايواني تسينج كوي – هاي إنشاء “حديقة وممر أدبي تايواني”. وبدعم من حكومة مقاطعة كواشيونج، تم تشكيل لجنة أعضاؤها الأدباء تشين شين وو، وييه شيه تاو، وتشونغ تيه مين، وتشينج تشيونج مينج، وو تشينج فا، وبنج جوي تشين، اتفقوا معا على إنشاء هذه الحديقة عام 1997، مع آثار مخصصة لأكثر من 30 كاتبًا وشاعرا تايوانيًا ومقتطفات من أعمالهم. وقد نصب تمثال للكاتب تشونج لي هو(1915-1960)، نحته الفنان هو هينغ هسيونج، في تلك الحديقة، التي يتوسطها متحفه، والذي نقصده في نهاية الرحلة، ليكون منتدانا حول الشعر التايواني والكوري والياباني.

 

غرفة الكاتب الراحل كما تبدو بالمتحف

 

حسنا فعلت إدارة مهرجان كاوشيونج العالمي للشعر، حين خرجت بنا من مسارح المدينة وقاعاتها المغلقة، لنكمل قراءاتنا وحواراتنا في الجامعات والمدارس والمقاهي والبيوت والحدائق والمتاحف.

الحكاية الأسطورية للكاتب العاشق  تشونج لي – هو – كما رواها دليلنا في الحافلة – والفراشات الصفراء التي استقبلتنا، والمعبد الشاهق الذي أمَّن لنا الطريق، واللوحات الأعجوبة التي سافرت بروح مؤلفيها وكلماتهم عبر الزمن، والجسر الحجري الصغير الذي عبرناه، والمحيط الأخضر، الذي همس لي صديقي الشاعر الكوستاريكي ألفارو ماتا جيلي بأنه لا شك يذكرني بحدائق سان خوسيه، عاصمة بلاده، كلها كانت تهيئني للدخول في عالم خيالي للكاتب الذي عدُّوه رمزا للرومانسية، ولكن مأساة تشونج لي – هو كانت أقوى من ذلك كله.

أبّان الاحتلال الياباني لجزيرة تايوان (فرموزا) ولد تشونج لي – هو يوم 15 يناير 1915، بقرية هاكا في جاوشو، بينجتونج، ودرس وتخرج من الدورة المتقدمة لمدرسة تشوكو الابتدائية العامة اليابانية قبل أن يلتحق بمدرسة صينية تقليدية خاصة.

في سن 18، انتقل تشونج لي – هو إلى مينونج في كاوشيونج لمساعدة والده في إدارة المزرعة حيث التقى بالعاملة المحلية تشونج تاي – مي، ووقع في حبها. مقيدًا بقاعدة أملتها التقاليد؛ بأن اثنين يحملان نفس اللقب العائلي لا يمكنهما الزواج (آنذاك)، واجهت علاقته بحبيبته معارضة عائلية.

سيبعده الأب عن مينونج، لكن الابن سيعود على متن دراجة قادها عشرات الساعات، ليأخذ حبيته، في عام 1941، وليهرب العاشقان إلى ولاية منشوريا وبيبينغ في الصين لخمس سنوات.

 

أختام ورسوم

 

حين عاد الزوجان إلى تايوان عام 1946، وقع تشونج لي – فريسة لمرض السل، وتنقل للعلاج بين مستشفى جامعة تايوان الوطنية ومصحة سونغشان. وبعد إجراء عملية جراحية ناجحة في عام 1950، عاد إلى مينونج.

عاش لي – هو حياة مقسمة بين الاستشفاء والكتابة، ولم يتمكن من القيام بأعمال شاقة بعد مرضه، فتحملت  زوجته تاي – مي مسؤولية إعالة الأسرة، حتى رحل الزوج الشاب بسبب انتكاسة مرض الرئة في 4 أغسطس 1960.

كانت معظم أعمال كاتبنا الراحل، بما في ذلك روايته الشهيرة (مزرعة ليشان) وسلسلة القصص القصيرة “مسقط الرأس”، بلغة مينونج.

من اللجنة التي كانت وراء إنشاء المتحف التكريمي للأديب لي – هو، كان هناك شاعران يكتبان بلغة هاكا؛ الدكتور تسينج كوي  – هاي، والإعلامي وو تشينج – فا؛ اللذين ترجمت مختارات لهما في إصدار باللغة العربية عنوانه (4 شعراء هاكا من تايوان)، ضمن مشروع تعريف العالم بهذا الأدب النوعي دعتني إليه الصديقة الشاعرة والرسامة التايوانية مياو يي – تو، التي ترجمت لها ديوانا آخر (هن بنات سيرايا)، وقد أهدت مياو الكتابين إلى متحف تشونج لي – هو، بين كتب أخرى بالإسبانية ولغة الماندرين.

 

بصمة كلإ وقصيدة ذكرى من الزوار

 

بدعم من التبرعات من جميع قطاعات المجتمع التايواني، تأسس متحف تشونج لي – هو التذكاري، خلال فترة الأحكام العرفية، كأول متحف تذكاري مخصص لكاتب تايواني. كان مديره الأول هو ابن تشونج لي – هو، تشونج تيه – مين. ومن أجل رد الجميل للمجتمع، أصر الابن على عدم فرض أية رسوم دخول للمتحف.

منذ إنشائه في عام 1983، يتم إدارة المتحف من قبل القطاع الخاص. رأينا عمة الكاتب الراحل، وعائلته تدير الآن مؤسسة تشونج لي – هو الثقافية والتعليمية، التي تنظم المعارض الأدبية والأنشطة الترويجية، مثل تلك الندوة التي تحدث فيها ضيوف المهرجان.

متحف تشونج لي – هو التذكاري عبارة عن مبنى من طابقين تبلغ مساحته حوالي 165 مترًا مربعًا، مع ثلاث مساحات للعرض في الطابق الأول والطابق الثاني والعلية. يضم الطابق الأول معارض دائمة عن حياة تشونج لي – هو وأعماله الأدبية وأغراضه الشخصية وجداريات لتاريخ المتحف وصاحبه. أما الطابق الثاني والعلية فمخصصان للمعارض الخاصة ويتم تحديثهما بشكل دوري.

 

مع الشاعرة سوي لين بينج وتمثال الأديب تشونج لي – هو

اشتريت مغلفا بديعا به عشر بطاقات على ورق فني مقوى، لمشاهد من الطبيعة، واقتنيت بضعة بطاقات وكتيبات للمتحف والكاتب، ولم أنس أن أستخدم الأختام المتاحة للزوار لأضعها على الأوراق الخاصة.

 

قد يعجبك ايضا