إكس فاكتور.. البرنامج الخاطئ في التوقيت الخاطئ

23 أكتوبر 2023

جوان ملا- دمشق

 

لطالما كانت برامج مسابقات المواهب على صعيد الغناء بالتحديد الأكثر انتشاراً وحضوراً في العالم العربي، بدءاً من سوبر ستار، ستار أكاديمي، ذا فويس، وأيضاً إكس فاكتور، لكن إذا ما ركزنا على هذه البرامج سنجد أن أقلهم انتشاراً وتأثيراً وحضوراً بالعموم كان إكس فاكتور الذي لم يحظَ كغيره من البرامج بتلك الحالة الجماهيرية.

فالبرنامج الذي انطلق مع قناة روتانا في عامي 2006 و2007 مع لجنة تحكيم مكونة من ميشيل ألفتريادس، نيللي، خالد الشيخ، وأنوشكا، عاد بعد سنوات طويلة على قناة سي بي سي المصرية عام ٢٠١٣ مع لجنة جديدة مكونة من إليسا، حسين الجسمي، كارول سماحة، ووائل كفوري وربما كانت هذه النسخة الأكثر حضوراً على اعتبار أن البرنامج رجع بأسماء لنجوم كبار، بالإضافة للمشاحنات التي كانت تتم في الكواليس بين كارول وإليسا والتي كانت تصطادها الصحافة ولقطات الكاميرا وتصدّرُها للواجهة أكثر من تصدير المواهب أنفسهم، جاء بعد ذلك الموسم الرابع عام ٢٠١٥ لتبقى إليسا في اللجنة، ويشاركها راغب علامة ودنيا سمير غانم، لتكون تصريحات ومناوشات دنيا وإليسا أيضاً في الوجهة، ومن من وقتها لم يتم إنتاج نسخة جديدة من إكس فاكتور إلا مؤخراً درى فيها الناس صدفةً بعد أن أعلن عنه تلفزيون دبي منذ فترة على أن تكون اللجنة مكونة من راغب علامة، عبد الله الرويشد، أنغام، فكيف جاءت هذه النسخة من البرنامج؟ وهل يتابعها الناس؟

 

لا ترويج واسع ولا لجنة حميمية

جاء الإعلان عن البرنامج فجأة بدون سابق إنذار، فكان الترويج له ضعيفاً بالعموم ولم يصل للناس كما يجب، لا سيما أن العرض يجري على قناة دبي، والقناة رغم عراقتها إلا أنها نادراً ما تعرض برنامجاً من هذا النوع، فهي لا تصدّر نفسها كقناة ترفيهية بالمجمل، عدا عن ذلك فقد جاءت عودة البرنامج من حلقته الأولى دون تجديد يُذكَر باستثناء الديكور المتميز الفاره الصنع، لكن رغم جماله افتقد للحميمية التي اعتدنا عليه في هذه البرامج حين يجتمع أعضاء اللجنة على طاولة واحدة بجانب بعضهم وتبدأ المناوشات فيما بينهم والضحكات، إلا أن طاولة هذا الموسم جاءت متباعدة متفرقة، بالإضافة إلى أن اللجنة لم تكن متفاعلة فيما بينها لتخلق جواً مَرِحاً يُحكى بأمره، وهذا يعود لشخصية الفنانين المختارين، فعبد الله الرويشد بالعموم شخص هادئ مثقف فنياً، وغير ضليع بتصدير نفسه كترند، أما راغب علامة فقد تكرر وجهه كثيراً في هذا النوع من البرامج ليصبح مستهلكاً بتصرفاته وتصريحاته، وحركاته، في حين كانت أنغام لطيفة هادئة بسيطة لكنها غير قادرة على إحداث حالة جدل أو مرح معينة كما باقي الفنانات اللواتي تصدرنَ لجان التحكيم في برامج المواهب الغنائية وغيرها، فغاب الترند عن الساحة دون وصول واضح للناس كي يعرفوا أن البرنامج بدأ عرضه على أقل تقدير

صوت الحرب يطغى، ولا صحافة فاعلة

الممتع ربما في هذه النسخة من البرنامج هو أنه صُوِّر في دبي، وربما هي المدينة العربية الأكثر احتضاناً للجنسيات العربية والأجنبية، الأمر الذي يجعل اكتشاف المواهب أمراً ممتعاً وصعباً أيضاً لكثرة التنوع، وقد مرَّ على لجنة التحكيم أصوات ممتعة موهوبة في الحقيقة، وربما هو برنامج المواهب الوحيد الذي يستقبل الفِرق الغنائية ما أتاح للشباب الذين يشكلون فِرَقاً المشاركة فيه، لكن بالعموم ورغم جمالية العديد من الأصوات إلا أن أصوات الحرب الدائرة في غزة بالتزامن مع عرض البرنامج طغت على أصوات المواهب الحاضرة ولم يسمع بهم أحد للأسف، لأن وسائل التواصل وقنوات الأخبار استنفرت لتغطية ما يجري في فلسطين، وعَلا صوت المدافع فوق كل شيء، وكان من الممكن أن يجذب البرنامج القليل من الانتباه حتى لو عُرض في زمن الحرب هذه لكن اختيار إكس فاكتور بالأساس كان خاطئاً لأنه أقل شعبيةً وحضوراً كما أسلفنا، فلربما لو أعيد تقديم نسخة جديدة من ستار أكاديمي أو أراب أيدول أو ذا فويس حتى لكان لدى الجمهور فضولاً في مشاهدة النسخة الجديدة منهم، لما فيهن من ذكريات مؤثرة وذاكرة رجعية لديهم.
وقد مرت سوريا والعراق ودول عربية أخرى في زمنِ عرض المواسم السابقة من هذه البرامج الغنائية بحروب وكوارث إنسانية لكنها استثمرت الموضوع لصالحها وشارك المتسابقون بأغنيات لأوطانهم، الأمر الذي أحدثَ حالة ترند واسعة وهو ما افتقده إكس فاكتور في أغلب مواسمه.
كما لا يمكن نكران أن نجاح وانتشار البرامج هذه كان للصحافة اللبنانية بالتحديد العامل الأبرز في ذلك، فالوسائل الإعلامية اللبنانية من مصورة ومرئية ومكتوبة قادرة وخبيرة منذ سنوات طويلة على اصطياد الترند بلحظته بدون غُلُوّ أو إسفاف “عكس ما يجري حالياً ببعض المؤسسات الصحفية اللبنانية للأسف”، لذا كانت أقلام الصحفيين اللبنانيين ونقدهم ومشاركتهم وحضورهم للبرامج من داخل الاستديو “اللبناني” أيضاً الأثر الفعال في تصديرها بشكل أوسع، فكبارُ الصحافيين والوسائل الإعلامية اللبنانية الضخمة متمرسون بذلك منذ سنوات لأن بيروت كانت دوماً عاصمة الترفيه والجمال والتجديد والإعلام العربي الذي يستطيع أن يجعل من أي تفصيل صغير “قصة كبيرة” مهما كانت عادية وكأنه حدث عالمي، طبعاً لم يعد هذا موجوداً بقوة اليوم مع تحزُّب هذه الوسائل وضعف تمويلها والانهيار الاقتصادي في لبنان ووجود عدة دخلاء على هذه المهنة في هذا البلد الصغير، لكن يمكن القول إن الصحافة لم تكن موجودة وفاعلة على أرض الواقع بقوة لتقدم نسخة إكس فاكتور الجديدة بطريقة “مميزة مبهِرة” للناس خصوصاً أن البرنامج غاب عن أرض لبنان هذه المرة

أنغام والترند

تتجه الأنظار نحو أنغام في هذا البرنامج لاعتبارات عدة، أولها هو مشاركتها الأولى ربما في هذا النوع من البرامج في لجنة تحكيم، وثانيها ابتعادها مقارنةً بغيرها من الفنانات عن الجدل، فهي امرأة تسير بهدوء وتحفظ سواء في اختيار أغنياتها أو حياتها الشخصية رغم أنها مليئة بالأسرار والغموض الذي تخفيه بإرادتها عن الناس، بالإضافة لانتشار شائعات عنها مؤخراً على وسائل التواصل وقبل عرض البرنامج بالتحديد عن زواجها من تركي آل الشيخ، رئيس هيئة الترفيه السعودية، بالإضافة لتداول معلومات تفيد بأن أنغام فرضت اسمها في هذا البرنامج كي تكون موجودة، كما تعمل على إزاحة نجوى كرم من لجنة تحكيم أرابز غوت تالنت في موسمه القادم، وبعض النظر عن صحة الأمر أم عدمه إلا أن أنغام لم تكسب رهان الترند وجذب الأنظار، فشخصيتها ليست ذات حالة جدلية، وليست محط اهتمام كبير لدى الناس في بلاد الشام أو الخليج وحتى المغرب العربي إذا ما قارنّاها بأصالة أو أحلام أو سميرة سعيد أو إليسا أو هيفا وهبي اللواتي يشغلنَ السوشال ميديا ووسائل الإعلام بشكل متواصل بأخبارهن وتصرفاتهن وإطلالاتهن، فبقيت أنغام على الحياد كما هي في اختيار أغنياتها وشخصيتها بهذا البرنامج أيضاً، ولم تظهر للواجهة بإطلالاتها أو تصرفاتها أو مناوشاتها مع لجنة التحكيم كما كانت تتوقع، وربما هذا ما جعلها تتجه نحو منصة X لتدخل في سجال مؤخراً مع أفيخاي أدرعي المتحدث بلسان جيش الدفاع الإسرائيلي للإعلام العربي وتخاطبه بجدال طويل داعيةً عليه، وهو الأمر الذي أعاد أفيخاي نشره وجادلَ المطربة المصرية أيضاً، فانتشر اسم أنغام كترند بهذا السجال أكثر من انتشاره كمُشارِكة في لجنة تحكيم إكس فاكتور، ولا يمكن التكهن إن كان الأمر مقصوداً منها أم لا، لكنه مجرد مثال بسيط يتضح فيه عدم اكتراث الجمهور للبرنامج الذي كانت فيه العنصر الأنثوي الوحيد.

هل نحن بحاجة لهذه البرامج اليوم فعلاً؟

بالعودة لكل برامج المواهب الغنائية، ولكل ما تم تقديمه على الشاشات العربية أبرزها شبكة MBC لا نجد فائزاً في برنامج مسابقات نجح في إكمال مسيرته، والأمثلة كثيرة، إذا ما استثنينا المغنيَين السوريَين محمد مجذوب الفائز في ثاني مواسم إكس فاكتور، وناصيف زيتون الفائز في الموسم السابع من ستار أكاديمي، وجوزيف عطية الفائز في ثالث مواسم ستار أكاديمي، في حين أن أسماء أغلب الفائزين في برامج المواهب هذه يكاد لا يعرفهم أحد في حال ذُكِرَت أمامهم اليوم، منهم “رجاء قصابني، محمد الريفي، نادر قيراط، مروان يوسف، مراد بوريكي” وغيرهم الكثير، لذا فإن الفائدة التي حققتها هذه البرامج
بالعموم كانت للقنوات المنتجة والعارضة أكبر من الفائز نفسه، بالإضافة لأرباح شركات الاتصالات نتيجة التصويت في الدول العربية لمشتركيهم المفضلين، فالفائزون لم يستفيدوا بشيء بالغالب. ومع حلول وسائل التواصل ومنصات اليوتيوب والتيك توك اليوم وانتشارهم بشكل واسع ووصول بعض البلوغرز والمغنين والمؤثرين فيهم إلى ملايين من المتابعين متفوقاً بعضهم على نجوم كبار من الوطن العربي، يبقى التساؤل فيما إذا كانت هذه البرامج تحمل ذات القيمة والأهمية التي تحملها قبلاً للمشاركين أو الجمهور، فمع وجود هذه التطبيقات بات يمكن لأي موهوب أن يجذب الأنظار له ويزيد متابعيه ويحقق الأرباح والانتشار “بدون منّيّة حدا” لتغدو هذه البرامج مجرد حالة قد تغيب عن الذهن والمشاهدة بالتدريج في ظل شبه غياب للتلفاز في المنازل وانشغال الجميع بالهواتف المحمولة والأجهزة اللوحية.

إكس فاكتور أو غيره قد يكون مشروعاً جيداً إذا توافرت فيه عناصر عدة للنجاح، أبرزها الترويج الصحيح في التطبيقات والقنوات الأوسع انتشاراً، تقديمها بالوقت المناسب البعيد عن الحروب أو استثمار هذه الحروب التي لا تنتهي في منطقتنا لمصلحة البرنامج، أو ابتكار وسيلة ناجعة تجعل من البرنامج يتلاءم مع منصات التواصل بشكل أكبر ليحقق مشاهدات جيدة ويعرف المتابعون أن هناك شيئاً ما يُعرَض على الشاشة!، فالزمن السريع الذي يجري كالبرق في عصرنا بحاجة لمواكبة دائمة لمعرفة كيفية وإمكانية التسويق لعملٍ ما مع ازدحام وزخم كبير موجود حولنا لا نستطيع أن نتابعه بدقة كبيرة إلا إذا كان لكل شخص فينا ألف عين ومئة دماغ.

قد يعجبك ايضا