الحب وإشكالياته، في فن الحبّ ومفهومه

26 يونيو  2023

زهراء حسن – كاتبة عراقية

قبل أن اكتب هذا المقال، قررت أن أقرأ كتاباً عن فن الحب لـ”إيريك فروم” كي ألقي الضوء لا على فن الحب، بل على مفهوم الحب الذي شغل فكري هذه الأيام من حيث الحب كفكرة حرة أو كفكرة تملكية تضيق الخناق على المحبوب وتستعبده للنهاية.

وقد أسعفني إيريك فروم بعض الشئ في كتابه “فن الحب” عن مفهوم الحب الملتبس عند الكثيرين، وخاصة الحب الذي يأخذ صورة التملك، فالحب هو علاقة فكرية تبدأ من التفكير والإنشغال شخص بآخر ، امرأة ورجل، يأخذ هذا الوضع حيزا في التواصل والتفاهم والتوافق والاتفاق وقد يحدث الاتفاق ولايحدث، وهي علاقة تبدأ بالفكر اولا ثم تنتهي بالجسد وقد لاتنتهي إلى ذلك حسب ظروف العلاقة ومايحيط تلك العلاقة من إشكاليات عدة مستمدة من ظروف تحيط بالطرفين. وقد تطيح بالعلاقة أو تزيدها إصرار وتماسكا على البقاء.

كما يؤثر مفهوم الحب على استمرارية هذه العلاقة، يشمل هذا المفهوم تملك المحبوب في الحد الأدنى والغيرة عليه في الحد الطبيعي، بيد أن هذا المفهوم يكاد يختفي من عالمنا الواقعي ليتشكل مفهوما آخرا في غاية الخطورة حيث تتعرض الحرية الفردية إلى انتهاكها بمختلف السبل حيث ساهمت القفزة التكنولوجية الكبرى وعبورنا من عصر الورقة والقلم إلى عصر الانترنت والتعرف على كل التطبيقات الالكترونية في عالم الانترنت، ومن أخطر هذه التطبيقات هو مراقبة الشخص ومراقبة مكان تواجده، وقد حدثت حالات حقيقية منها أن تسرق الزوجة هاتف زوجها وتضع له تطبيق المراقبة وتوقعه على الموافقة دون أن يكون له علم بذلك وما يعنيه ذلك هو خديعة الشخص المعني والمشارك للحياة معا، مما أدى بهذا إلى عواقب وخيمة وصلت إلى حد الانفصال.

وأمام الحالات الكثيرة التي مرت وشاهدتها على أرض الواقع والتي تسببت بفشل علاقات عاطفية كبيرة، رأيت أنه من أكثر وأكبر أسباب فشل هذه العلاقات هو مفهوم التملك المرضي الذي يحيط بهذه العلاقات، وينهيها ويهيل عليها التراب وإلى الأبد. ولانها وبالمعنى اللغوي والنفسي والروحي للنفس البشرية تمنع الإنسان من التنفس والعيش بحرية من حيث التمتع بمباهج الحياة اليومية، فتسلب منه حريته وتخنقه/ها لدرجة أنه يريد أن يلوذ بالفرار للتخلص من الكابوس الأسود الجاثم على حياته كالمراقبة والمتابعة ،،في أن ذهب ؟ ،، ،،ومع من تحدث؟ ،، وماذا فعل في يومه،،

وإذا كان صاحب/صاحبة العلاقة صاحب سلطة، فهو سيستخدم هذه السلطة للسيطرة على المحبوب في كل شاردة وواردة ، واذا كان المحبوب في واد آخر ولامشاعر تحكمه للطرف الآخر ، حيث تحدث الطامة الكبرى ، فيتم استخدام كافة السلطات والاسلحة النفسية للوي يد الإنسان الذي لم يلتفت إليها أو تلتفت إليه، هذا المفهوم الملتوي الذي يعكس الأنانية الفردية المطلقة. ويصف فكرة ،”أنا ومن بعدي الطوفان”، بصورة واضحة، لاعلاقة له بفكرة الحب الحقيقية على الإطلاق، بل هو مرتبط بالاستبداد وعقدة النقص الكبرى في الشخصية غير السوية التي تتميز بالحقد الاسود وكل الصفات التي تدمر الحب كفكرة رائعة وجميلة فليس هناك حبا في العالم يضع المحبوب تحت المراقبة على طول الوقت ويتابعه في ذهابه وإيابه واضعا له كل ماتيسر من الجواسيس والمخابرات متابعا له/لها في ذهابه وايابه مرفقا له /لهاكل التطبيقات الحديثة على جهاز هاتفه.

هذه الفكرة وإعني ،”فكرةالمراقبة” وتنفيذها على الواقع تنفي فعلا فكرة الحب الجميلة، التي تتمنى للمحبوب النجاح والفرح والحرية والتي تسعد لإسعاده وتحترم كيانه بأسره، أما الاستبداد وحب التملك من دون اعتبار أن للآخر روحا حرة تمتلك الكرامة والاحترام والمشاعر والاحاسيس، رجلا كان ام امرأة، حيث يعيش يومه تحت ضغط المراقبة التافهة وهذا مايسمى فعلا بالاغتصاب النفسي والروحي والمعنوي وسلب حرية الإنسان وانتهاك حرماته كلها، فاالذي يرى الحب ويفهمه من خلال،منطق التحكم بالأخر بهذا الشكل وفي هذه الصورة المخزية والمضمون الفارغ فعلا، والذي لايدل إلا على شئ واحد فقط، هو فقدان الثقة بالنفس ومايتركه هذا الفقدان من اهتزاز في الشخصية واضح المعالم بين حتى لو وصل هذا الشخص إلى أععلى المناصب وتخرج من أهم جامعات العالم، فالسلوك المرضي في التحكم بالآخر بهذه البشاعة لايعكس سوى مشكلة حقيقية ذاتية له علاقة بالعقدة الجنسية ونقصها الواضح وانعكاسها على سلوك الشخص ذاته، في إظهار رواسب النقص الكبير في داخل النفس البشرية والتي يتحمل تبعاته أحيانا آخرون لاذنب لهم فيما جرى وما يجري، فكل ذنوبهم أن طرقهم تصادفت، فانكشفت النفوس وماعليها من أدران.

يقول إبريك فروم في كتابه فن الحب: عندما يكون شلل الذكورة أكثر تطرفا تصبح السادية “استخدام القوة” البديل الرئيسي المنحرف عن الذكورة .وإذا ضعفت الجنسية الأنثوية وانحرفت فإنها تتحول إلى المازوخية والتملك.

قد يعجبك ايضا