نص خبر- مكتب دمشق- وسام كنعان
28 أغسطس 2023
قبيل عام 2011 ونتيجة التقارب السوري ــ التركي آنذاك، فُتحت الحدود بين البلدين لإغراق الأسواق السورية بالبضائع التركية المنافسة على مستوى الجودة والأسعار. أمر أدّى إلى انهيار حقيقي في جزء يسير من الصناعات السورية.
ثم تهاوت المسألة إلى حدود أقفلت فيها بعض المؤسسات أبوابها، وتسببت في كساد مصانع وصناعات كانت تعتمد على السوق المحلّي، وخصوصاً في مدينة حلب التي تعتبر عاصمة لاقتصاد البلاد. بالتوازي مع ذلك، كانت الصناعة السورية الأبرز، أي الدراما التلفزيونية، تتعرّض لضرر بالغ بسبب موضة الدوبلاج التي أُطلقت بالاعتماد على منتجين سوريين. يومها، أغرق هؤلاء السوق الفضائي بأعمال تركية مدبلجة، لكنّها تحمل اللهجة السورية المحببة والمنتشرة بفضل الدراما المحلية. لاحقاً، ومع اندلاع نيران الحرب، خرجت تقارير إعلامية عدّة توجّه أصابع الاتهام نحو الأتراك بالإفادة من الفوضى وسرقة مصانع حلب. حتى صار بعض المؤيدين للسلطة السورية يطلقون على الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان لقب «لصّ حلب». لاحقاً، عاثت الأعمال التركية المعرّبة بواقع الدراما السورية، وجعلتها تدخل في مواسم قاحلة من خلال استقطاب النجوم والخبرات الفنية على أعمال لا تقول شيئاً سوى إنّها تستنسخ مسلسلات تركية بعيدة عن واقعنا.
شارك أصحاب القرار والنفوذ الدرامي العربي، في إصابة الدراما السورية، بخلل واضح
المقاربة تبدو دقيقة. تماماً كما أسهم السلوك الحكومي السوري العاطفي في عطب جزء من الصناعات الوطنية، عندما فتح السوق السورية للبضاعة التركية. كذلك، شارك أصحاب القرار والنفوذ الدرامي العربي، في إصابة الصناعة السورية الثقيلة، أي الدراما، بخلل واضح، لدى استبدالها بالدراما المدبلجة أوّلاً، ثم المعرّبة حالياً.
وكانت الدراما السورية، التي سبق أن فنّدت جرائم الاحتلال العثماني في أعمال مثل «إخوة التراب» (كتابة حسن م يوسف، وإخراج نجدت أنزور)، قد وصلت إلى مكان صارت تغازل فيه هذا الاحتلال، كما تحاول إنصافه على حدّ زعم صانعيها، وتحديداً في مسلسل «سقوط الخلافة» (تأليف يسري الجندي، وإخراج محمد عزيزية). يومها، أُسند دور السلطان عبد الحميد إلى النجم السوري عباس النوري، فيما وقفت إلى جانبه مجموعة من الممثلين المصريين والسوريين والعراقيين، من بينهم أسعد فضة، وأحمد راتب، وريم علي، وباسم قهار، وغيرهم. في ذلك الحين، خرجت تصريحات متباهية بإنجاز مسلسل «ينصف الأتراك»، ويعيد قراءة التاريخ بنظرة مختلفة تردّ الاعتبار إلى تركيا. السبب أنّ هذه الأخيرة، ممثلةً برئيس وزرائها في ذلك الوقت رجب طيب إردوغان، اتخذت أخيراً مواقف «مشرّفة» من القضية الفلسطينية، ووصلت إلى الدراما التي أثارت «غضب إسرائيل». لذا، كان ينبغي للدراما العربية، وفق وجهة النظر تلك، «أن تردّ جزءاً من الجميل للأتراك عبر عمل تاريخي يصحّح النظرة السائدة عن الإمبراطورية العثمانية». ومن ثم اعتبرت أنّ مثل هذا العمل «يكشف عن الوجه الحقيقي للسلطان عبد الحميد الذي يعتبر نموذجاً مشرّفاً في الخلافة العثمانية»، على الرغم من اتهامه التاريخي بارتكاب المجازر بحق الأرمن لدرجة تسميته بـ «السلطان الأحمر».