الشيخ إمام في عيده … حنجرة صادحة لمن غلبهم الصمت!

3  يوليو 2023

نص خبر- دمشق

لم يكن الشيخ إمام  (1918/ 1995) حالة نادرة بفنّه فقط، بل كان فريداً حتى في تفاصيل حياته المنسوجة على قالب المعاناة والاعتقالات والمطاردات السياسية بسبب رأيه الحاد وقرته على قو الحقيقة في وجه الطغاة! عاش الشيخ ليصوغ المتعة بأبهى حالاتها فكان واحد من عرّابيها ومهندس بنائها في إحساسه ولحنه وصوته وأغانيه التي عبّرت عن روح الجماهير فكان فعلاً صوت “الغلابة” وحنجرة صادة لمن يغلبهم الصمت.

لم يتنازل يوماً عن كونه ثائراً في وجه الطغيان، لدرجة أنه دفع أثماناً باهظة من حريته وحياته! إذ قدم أغانٍ سياسية تدعو إلى التمرد، ووجه الكثير من الانتقادات للأنظمة الحاكمة. حتى اعتُقل عدة سنوات بتهمة الغناء، لكن قضبان السجن لم تتمكن من ثنيه عمّا يريد، ولم تخرس أنغامه، أو تدخل النشاز لأغانيه، بل ظلّ مواصلاً على درب الطرب الأصيل، والغناء ذو الدلالات والمعاني العميقة ولو كانت كلماته بسيطة وشعبية وسهلة كان صاحبها  رفيق دربه أحمد فؤاد نجم ليشّكلا معاً ثنائي يصدح بصوت الحقيقة، وبوصلة تهتدي وتهدي  الجميع إلى طريق الصواب والثورة!

الشيخ إمام كان حالة غنائية جديدة وغريبة على المجتمع، غنى الشعر والزجل السياسي في وقت امتلأت فيه الساحة الغنائية بأصوات جميلة وشهيرة، لكنه سيطر على إعجاب الشباب من طلبة الجامعات والمثقفين، واستطاع أن يكون صوت الغناء المعارض

يوم أمس صادف عيد ميلاده المائة وخمسة وقد استذكره جمهوره بشكل عام والسوريين  بشكل خاص الذين أحبّوه  وقدّروه وسدروا في هذه المناسبة ذكرياتهم م صوته وأغانيه.

ولد إمام عيسى في 2 يوليو عام 1918 في الجيزة، وأصيبت عيناه بالرمد في سنوات ميلاده الأولى، ليبتلى بالعمى مدى حياته… اتجه إلى حفظ القرآن وهو صغير السن، سكن منطقة الحسين، وفيها تعودت أذناه سماع الطرب والموسيقى، ثم تتلمذ على يد الشيخ درويش سيد شعراوي، وأتقن العزف على العود على يد الموسيقار كمال الحمصاني الذي أثر في تكوينه الفني كثيراً.

كان الراحل عاشقاً لصوت الشيخ محمد رفعت، وكان حلم والده أن يكون ابنه شيخاً له صيت حسن، لكنه أحب الغناء والإنشاد في الأفراح والموالد ومناسبات الأعياد والحج وغيرها.

من محطات حياته الفارقة، حين التقى الشيخ زكريا أحمد، إذ نصحه بشراء عود وأعطاه ثمنه لتعلم التلحين.

ثمّ التقى الشاعر أحمد فؤاد نجم في أوائل الستينيات عن طريق صديقه سعد الموجي الموظف بدار النشر الذي كان صديقاً مشتركاً للطرفين.

وبدأ الشيخ إمام عيسى غناء أشهر كلمات أحمد فؤاد نجم، وكانت باكورة إنتاجهم أغنية “أنا أتوب عن حبك..” التي لحنها الشيخ إمام.

عاش الثنائي إمام ونجم في حجرة واحدة بحوش قدم في حي الغورية، وراحا يركّزان معاً على الأغنية السياسية.. ونتج عنهما أغنية  “أنا الأديب الأدباتي” وكانت تلك الأغاني السياسية تقدّم في الجلسات الخاصة والمقاهي.

في عام 1968، دعت نقابة الصحفيين الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم لإقامة حفل غنائي بمقر النقابة في القاهرة، حضرها أكثر من ألف مدعو، فكانت أول مواجهة مع الجمهور، وكتبت الصحف اليومية جميعها عن الحفل، وقال النقاد: “إن هذا الحفل نقل الثنائي إمام ونجم إلى حيز الوجود كحقيقة واقعية.”

قدم الشيخ إمام أروع الأغاني التي تنتقد نكسة حزيران، ومعاهدة “كامب ديفيد” وسلوك الرئيس الراحل أنور السادات فغنى “بقرة حاحا” ، و”الحمد لله خبطتنا تحت بطاطنا”، فتم اعتقاله.

وفي السبعينيات قدم أغنية “الفول واللحمة” أثناء ثورة 18 و19  كانون الثاني “يناير” التي وصفها السادات بانتفاضة الحرامية، فتم اعتقاله مرة ثانية.

في ذكرى وفاة الشيخ المئوية لولادته أصدر المهندس اللبناني حسين معاز، مغلفاً تذكارياً يحمل صورة الفنان المصري الراحل، مقروناً بلوغو خاص للتعبير عن هذه المناسبة. ويعدّ هذا المغلف فريداً من نوعه كونه لم يصدر منذ 23 عاماً في لبنان ومصر وباقي البلدان العربية، أي طابع بريدي خاص به.  وهي عبارة عن 100 مغلف مرّقم من 1 الى 100، مرفقة ببطاقة تعريفية تختصر حياة صاحب “شيّد قصورك”، المتسمة بالمعاناة والكفاح والنضال في سبيل إيصال قضايا الإنسان العربي عبر الموسيقى، وتحديداً آلة العود التي رافقته طيلة حياته. الى جانب الموسيقى، يخصص  جزءاً لأشعار الراحل أحمد فؤاد نجم، الذي رافق الفنان الثائر في محطات عدة، وانتشرت كلماته من خلال صوته الى الجماهير.

 

قد يعجبك ايضا