27 أكتوبر 2023
جمال سامي عواد – كاتب وباحث موسيقي
يلزم آلاف السنين لكي تتحول مواسم الزرع والحصاد، أو الأعراس و مواسم النبيذ إلى أغان.. ولا يكفيها فقط أن يمر الزمن بحياد، بل لا بد من تناقلها من جيل إلى جيل واستعادتها واستذكارها لارتباطها بممارسات و أعمال حضارية تتراكم مع السنين، لتكتسب تلك القيمة المعتقة. وهذا بدوره يحتاج إلى العيش في مجتمع يمتلك الحد الأدنى من التنظيم و الاستقرار.
ويستقر معها في اللاشعور الجمعي لتلك المجتمعات إحساس عارم بالثبات و الديمومة نتيجة استنادهم إلى منتج إنساني لا يمكن له أن يُسلق في غفلة من الزمن.
لذلك فإن كل طارئ على الحضارة الإنسانية، يبحث عن هذا الشيء بالتحديد، فيخترع الأساطير و الحكايا، و يسرق تراث الحضارات الأخرى و يزور كل شيء ليكتسب هذه المشروعية حتى بالنسبة لنفسه.
لو أردنا أن نميز بين أهل الحضارات و غيرهم من الطوارئ و الشذاذ، يجب أن نبحث في إرثهم الثقافي و بالتحديد الإرث الفني.
و هذا بالضبط ما فعلته و ما زالت تفعله “إسرائيل”. فبالإضافة لسرقة الأرض، و محاولة طرد أهلها الأصليين منها عن طريق المجازر و التشريد و ضرب المرتكزات الحضارية(كما فعلت أمها) ، قامت بانتحال الأغاني و الموسيقا و الآلات الموسيقية الأصيلة الخاصة بالشعوب العربية عموماً، و الفلسطينية خصوصاً. و قد وصل الأمر إلى درجة سرقة طبق” الحمص بطحينة” من المطبخ العربي،و الادعاء أنه طبق إسرائيلي عريق.
أما في الموسيقا، فلم يفلح تجمع ” الصهاينة” في فلسطين بإنتاج أي إرث موسيقي خاص، مع أنهم كبشر يمتلكون مواهب موسيقية كبيرة، و لكن هذه المواهب استقت من أصولها الحقيقية التي نشأت فيها كالدول الأوروبية، و الدول العربية كمصر و المغرب و اليمن و غيرها من الدول التي يتواجد فيها اليهود كطائفة معروفة.
و حتى الآن لا نسمع في دولة الكيان إلا عن مطربين ذوي أصول عربية أو أفريقية أو أوروبية نقلوا معهم ثقافتهم و ثوابت الحضارة التى نشات فيها أصولهم. و لا يزال العود والرق والقانون والناي يصدح في خواء الحيز الثقافي للكيان.
لا يمكن للطارئ أن يزيح المقيم، ولا للسطحي أن يغطي العميق، ولا للمزور أن يخفي الأصيل.
مهما على النكبات نحنا
منبقى على هالأرض نحنا
و لما نادتنا فلسطين نحنا
على دروب الشهادة والعنا