الهوية والتجاوز

 قراءة أخرى في "التّشهي" لعالية ممدوح

حسين العبدالله – العراق

 يَرى سعيد يقطين في تَعريفهِ للهويّة، “أنها تمفصلٌ بين الذات و الآخر ” أي واقعة بين عَلاقة الذات ( الأنا) و الآخر (الهو)، وهذه الهويّة ليستْ واحدة بل هي متعددة، فيمكن للذاتِ أن تكون حاملاً لهويّات متعددة بحسب الذوق، والانتماء والدين والسياسة، والرياضة أيضاً -كونها لعبة جماهيريّة- وهذه الهُويّة تتشكلُ وفقاً لعَلاقة الإنسان بالجغرافيا، التضاريس، المجتمع،البيئة، الأسرة، التكوين النفسي، الطابع الشخصي و الاهتمامات.

و إنْ هذا التعددُ في الهويّة يُصاحبه في آن اختلاف جري في الميول الهويّاتي.. نظراً لوعي الفرد ذاته بماهيّة الأشياء من حوله وطريقته في تقبلها و رفضها، وهنا يجدرُ بِي أن أشيرَ إلى ثلاث شخصيّات مفصليّة في رواية التشهي، وهي في آن أصوات متعددة داخل العمل السردي، ١. سرمد برهان الدين (صوت : هويّة تمثل المُعارضة المنفيّة خارج البلاد ” المنفيّون ) ٢. مُهند شقيق سرمد (صوت: هوية تمثل السلطة كونه عضواً في الاستخبارات العراقية) ٣. ألف (صوت : هويّة خارج الانتماء التي تمثل بصورة أيديولوجيّة العراق) ولأنني عنونتُ هذهِ المقالة بالهويّة والتجاوز، فأنا معنيٌّ بالصوت الثالث “ألف” وتمثلاته في النص وكيف ممرت عالية ممدوح رؤيتها من خلال هذه الضحية التي تجاوزت الإنتماء و الهويّات الاخرى متمسكةً بالهويّة الإنسانية.

لا ريب فإن عالية ممدوح تقدم المرأة دائما على أنها البطل الفعلي حتى في ظل كونها ذات دور ثانوي في العمل السردي، أما “الف” فهي ظاهرة إنسانية متعاليّة خارج دائرة الإنتماء منتجة للوعي الإنساني المحب للحياة، فهي من حيث الرؤية السردية للواقع تشكل ا الحافر الأشد وقعا في ذاكرة القارئ، الأنثى المضحية، المسلوبة الإرادة . تُقدم عالية ممدح “ألف” العاشقة لسرمد، بتلك الشهوانيّة المثالية لماهية الحب والجنس، ثمّ ما لبث أن غادر سرمد البلد بفعل أخيه مهند الذي كان يلاحقه بدوافعه سياسية، يجيء الدور لمهند الذي ينتهز الفرصة للفوز بألف ويتزوجها.. هذه الحبكة الثلاثية التي تعود بالذاكرة إلى تمثيل التاريخ سرديّاً ، فألف هذه تمثيلاً للجمهوريّة العراقيّة التي يتصارع عليها الشيوعيون متمثلين بهوية “سرمد برهان الدين” و القوميون بهويّة “مهند “، هذا الصراع الذي جعل من مهند يحوز على جمهوريته “ألف” بالقوّة و النفي للمعارضة (سرمد برهان الدين). والغريب أن السيدة عالية ممدح تركت لنا إشارة طفيفة يمكن توحي بشيء ما، ألا وهي الدلالة المعنويّة للإسم “ألف” ألف الدال على “الجمهورية” و “العراقية” ، حيث تستمر ألف في تجاوزها للانتماء الطبقي والعرقي والديني والسياسي، بينما يستمر انتماء كل من مهند و سرمد في ظل التغيرات الثقافية والسياسية عبر الزمن وبمسميات جديدة.

قد يعجبك ايضا