السبت 15 أبريل 2023
عندما عرض فيلم “دكتور سترينجلوف أو كيف تعلمت أن أتوقف عن القلق وأحب القنبلة” (Dr. Strangelove or: How I Learned to Stop Worrying and Love the Bomb) عام 1946، لفت أنظار القادّة في الولايات المتّحدة الأميركيّة إلى ثغرة قد تؤدّي إلى اندلاع حربِ نووية.
فالفيلم الذي أخرجه ستانلي كوبريك عن حرب نووية تشتعل بمحض الصدفة، يظهر في أحد المشاهد شخصاً يحاول الاتصال بالبنتاغون أثناء حالة الطوارئ لتزويده برمز الوصول لكن لا يملك ما يكفي من العملات المعدنية لتشغيل الهاتف المدفوع، ما ينتج عنه اندلاع الحرب الذرية.
الفيلم أثار نقاشاً في الكونغرس حول مخاوف مشروعة بشأن إمكانية الاتصال بين القيادات خلال الأزمات، وتقرر نتيجة لذلك أن معرفة شفرات الوصول إلى الأسلحة النووية يجب ألا تقتصر على مسؤول حكومي واحد فقط كما كانت قبل عرض الفيلم، وبحلول السبعينيات كان سلاح الجو يستخدم مفاتيح مشفرة لحظر استخدام الأسلحة النووية غير المصرح بها.
حادثة توثق حجم تأثير الفن في تعديل القوانين، ولفت الأنظار إلى مشاكل حقيقيّة تستحق المعالجة.
في عالمنا العربي كما في هوليوود، نجحت بعض الأعمال السينمائية والدراميّة في إحداث تغيير حقيقي، آخرها مسلسل “تحت الوصاية” الذي يعرض خلال شهر رمضان الجاري، والذي يسلّط الضوء على حرمان الأمهات من حق الوصاية المالية على أبنائهنّ بعد رحيل أزواجهن.
المسلسل دفع بالنائبة المصرية ريهام عفيفي، عضو مجلس الشيوخ المصري، للمطالبة بضرورة إجراء تعديلات على القانون الحالي الصادر في خمسينيات القرن الماضي.
بانتظار ما ستؤول إليه مطالبة النائبة ومعها جمعيات نسائية وناشطين في حقوق الإنسان، يبقى أنّ النقطة المضيئة هي قدرة الفن على إثارة الجدل وإحداث التغيير.
فما هي أبرز الأعمال التي أحدثت خرقاً ونجحت في الدفع باتجاه تغيير القوانين؟
“جعلوني مجرماً”
نجحت السينما المصرية منذ خمسينيات القرن الماضي في إحداث تغيير في القوانين، وكان فيلم “جعلوني مجرماً” من بطولة فريد شوقي، ويحيى شاهين، وهدى سلطان، ومن إخراج عاطف سالم.
تدور أحداث الفيلم حول طفل يحاول أن يجد عملا شريفًا بعد خروجه من إصلاحية الأحداث، إلا أنه يفشل بسبب صحيفة السوابق ويقرّر الانتقام من كل من ظلمه.
صدر عقب عرض هذا الفيلم قانون مصري ينص على الإعفاء من السبقة الأولى في الصحيفة الجنائية، حتى يتمكن المخطئ من بدء حياة جديدة.
“أريد حلاً”
ينسب الكثير من الفضل في تعديل قانون الأحوال الشخصية المتعلّق بالطلاق في مصر أو ما يعرف بقانون جيهان السادات إلى فيلم “أريد حلاً” الذي عرض في عام 1975، بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة، وقصة الكاتبة حُسن شاه.
الفيلم الذي يحتل المرتبة الـ21 في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية، تدور أحداثه حول درية (فاتن حمامة)، التي تصبح حياتها مع زوجها الدبلوماسي مدحت (رشدي أباظة) مستحيلة، وتطلب منه الطلاق لكنه يرفض، فتضطر للجوء إلى المحكمة الشرعية لرفع دعوى طلاق، وتدخل في متاهات المحاكم، وتتعرّض لسلسلة من المشاكل والعقبات، وتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات.
الفيلم كان مؤثراً جدًا حيث قام الرئيس المصري الراحل أنور السادات وزوجته السيدة جيهان بتغيير قانون الأحوال الشخصية سنة 1978، ليسجّل صنّاع العمل مكاسب ملحوظة للنساء في ما يتعلق بإعادة النظر بالتقاضي لطلب الطلاق وبيت الطاعة، وفي ما بعد قانون الخلع.
“الشقة من حقّ الزوجة”
أثار فيلم “الشقة من حق الزوجة” عام 1985 لمحمود عبدالعزيز ومعالي زايد وإخراج عمر عبدالعزيز قضيّة من سينتفع بحق الشقة بعد الطلاق، في حال كان أحد الطرفين بلا مأوى.
فعلى الرغم من أنّ الفيلم كان كوميدياً، إلا أنّه حمل في مكانٍ ما قضية مهمة ظلّت تؤرق الكثير من العائلات المصرية دون أن تجد لها القوانين حلولاً عادلة. هذه المرّة لم ينتصر الفيلم للمرأة، بل للعنصر الأضعف في المعادلة من خلال قصّة زوجين يرتبطان بعد علاقة حب، تبرز مشاكلهما المادية بعد ولادة طفلتهما، فيضطر الزوج إلى شراء تاكسي بالتقسيط، من أجل تلبية احتياجات أسرته المادية، تشعر كريمة بالملل بسبب انشغال زوجها عنها وتشجعها والدتها على التمرد وطلب الطلاق، يتم الطلاق بشكل عفوي، ويبدأ النزاع حول ملكية الشقة.
تضمن الفيلم إشكالية هامة حول الوضع القانوني للشقة عقب انفصال الزوجين، وخاصة أن القانون ينص على بقاء الزوجة في الشقة حتى انتهاء فترة الحضانة التي تصل إلى 15 سنة.
وقد نجح الفيلم في جعل أحد أهم البنود الممكن إضافتها لعقد الزواج –حديثًا – تحديد من سيكون له حق الانتفاع وحده بمنزل الزوجية في حالة الطلاق.
فيلم القاهرة 678
تسبب الفيلم في خروج توصيات قانون التحرش الذي صدر عام 2003، بالحكم على المتحرش بعقوبة قد تصل إلى ثلاث سنوات.
الفيلم من بطولة ماجد الكدواني، وبشرى، باسم السمرة، ومن إخراج محمد دياب، تدور أحداثه حول ظاهرة التحرش الجنسي التي تتعرض لها الفتيات، والتي أصبحت ظاهرة منتشرة في الفترة الأخيرة في مصر والمجتمعات العربية بشكل عام.
فيلم عفوا أيها القانون
لم ينجح فيلم “عفواً أيها القانون” في إحداث تعديل في قوانين الجنايات أو ما يعرف بقانون الشرف إلا أنّه سلّط الضوء على ازدواجية تعامل القانون مع المرأة والرجل في حالات الزنى، وفي حالات ارتكاب جرائم الشرف.
الفيلم من بطولة نجلاء فتحي، محمود عبدالعزيز، هياتم، وفريد شوقي، ومن إخراج إيناس الدغيدي.
تدور احداثه حول أستاذة جامعية تكتشف خيانة زوجها لها في سرير الزوجية، فتطلق عليه الرصاص وترديه قتيلا ويتم الحكم عليها بالسجن لمدة 15 عاماً.
سلّط الفيلم الضوء على قانون العقوبات، الخاص بقضية الزنا حيث يصدر الحكم على المرأة بالسجن 15 عاما مع الشغل والنفاذ، باعتبارها جناية في حالة قتلها لزوجها الخائن، بينما يكون الحكم في نفس القضية على الرجل بالسجن شهراً واحداً مع إيقاف التنفيذ باعتبارها جنحة.