رحاب ضاهر – بيروت
مع اختتام فعاليات الملتقى الإعلامي العربي الذي استضافته بيروت أخيرًا، بعد سنواتٍ طويلة كان خلالها يُعقد خارجها، لا يمكن إلا أن نشيد بأجوائه العامة وفعاليته التي امتدت على مدار يومين كاملين. فقد شهد الملتقى حضورًا لافتًا، عربيًا ولبنانيًا، وتغطية إعلامية جيدة، وجمع تحت سقفه طيفًا واسعًا من الإعلاميين من مختلف الأجيال والمدارس. ومن بين الحضور، تلاقى “إعلاميو الزمن الجميل” مع أبناء عصر المنصات الرقمية والسوشيال ميديا، في مشهدٍ يعكس حالة الاشتباك الحاصل اليوم بين إرث الإعلام التقليدي ومتطلبات العصر الحديث.

وقد حملت النقاشات سؤالًا كبيرًا ظلّ يتردّد بين أروقة الندوات: من له الأحقية بالاستمرار والتأثير؟ الإعلامي التقليدي الخبير صاحب التجربة الطويلة، أم الإعلامي العصري الذي يجيد مخاطبة الجمهور بسرعة واختصار عبر الوسائط الجديدة؟ ورغم كثرة الآراء وتباينها، لم يصل الطرفان إلى جوابٍ حاسم. وربما كان ذلك هو الأكثر صدقًا: استمرار الجدلية دون نتيجة نهائية، لأن المشهد الإعلامي نفسه متقلب ومتغير.
الملتقى تميّز بعدد من الندوات الثرية التي لفتت الانتباه، من بينها ندوة “الفن والتنمية” التي أدارها الزميل الدكتور جمال فياض، وشارك فيها المنتج صادق الصباح، والفنان السوري أيمن زيدان، والفنان الأردني زهير النوباني. وقد كشفت هذه الجلسة عمق الفجوة بين طموحات الفنان من جهة، ومقتضيات السوق الإنتاجي من جهة أخرى، فضلًا عن معضلة التوفيق بين الربح والخسارة، وما يفرضه ذلك على المنتج. كما سلّطت الضوء على هواجس النجوم الكبار الذين كثيرًا ما تتنكّر لهم المهنة مع التقدّم في العمر، رغم تاريخهم وحضورهم. وربما لم تقدّم الندوة حلولًا جاهزة، لكنها قدّمت الأهم: المصارحة.

في المقابل، لم تنجح بعض الندوات الأخرى في إيصال رسالتها أو تحقيق هدفها، مثل ندوة “مستقبل الإعلام في ظل تطورات التكنولوجيا”، والتي لم تقدّم طرحًا يمكن البناء عليه، ربما بسبب ضعف الإعداد، أو إدارة الحوار، أو ضبابية المحاور. وهو ما فتح بابًا للنقد حول ضرورة اختيار المتحدّثين بعناية أكبر.
أما إحدى أغنى الندوات من حيث الأفكار؛ فكانت ندوة “الإعلام والتنمية” التي شارك فيها الدكتور خالد غطّاس من لبنان، والدكتور مهاب مجاهد من مصر، وأدارتها الإعلامية علا الفارس. وقد تناولت الندوة مفهوم الحقيقة والوهم في الإعلام الرقمي، خاصة في ما يتعلّق بمشاهير السوشيال ميديا، مقدّمةً رؤى واقعية حول التضليل والتأثير المفرط، وكيفية صناعة النجومية الافتراضية.
وتبقى الندوة الأخيرة، التي حملت عنوان “نحو ميثاق إعلامي عربي لدعم التنمية المستدامة”، من بين أكثر الندوات إثارةً للاهتمام. شارك فيها رئيس الملتقى الأستاذ ماضي الخميس، ووزير الإعلام اللبناني الدكتور بول مرقص، وأدارها الزميل والصديق نيشان ببراعته وذكائه وثقافته الواسعة. ورغم انتقاد البعض لخروجها عن محور التنمية، إلا أنها فتحت جراح الإعلاميين اللبنانيين، وكشفت هواجسهم حيال مستقبل مهنتهم، ومخاوفهم من الدخلاء، وانعدام الحماية، وعدم وضوح إطار قانوني ينظّم العمل الصحافي في ظل الانفلات الرقمي. وربما كان هذا اللقاء فرصة نادرة للإفصاح عن هذه المخاوف في إطار رسمي.

وفي نهاية الملتقى، وجب توجيه كلمة شكر للدكتور جمال فياض على جهوده الحثيثة، وسعة صدره، وحرصه على إقامة هذا الحدث في بيروت، المدينة التي لطالما صدّرت الإعلام إلى العالم العربي، وما زالت رغم كل شيء نموذجًا يُحتذى به. كما لا يمكن تجاهل الدور الواضح للأستاذ ماضي الخميس، الذي كان نجمًا حقيقيًا على مدار يومين، أظهر خلالهما حبًا صادقًا للبنان. ومن خلاله نقول: شكرًا للكويت وشعبها ومحبتهم الدائمة للبنان، وهي محبة ليست جديدة، بل راسخة ومتبادلة.
أما لمن وجّهوا انتقاداتٍ إلى الملتقى، فتبقى قيمته المعنوية للبنان أكبر من أي جدل. فالمؤتمرات قد لا تغيّر الواقع بين ليلة وضحاها، لكنها تمنح فرصة للنقاش والاحتكاك وإعادة التفكير. وعلى أمل أن تعقد دورات أخرى في المستقبل، مع تلافي بعض الهفوات التنظيمية، يبقى هذا اللقاء خطوة ضرورية لإعادة الاعتبار للإعلام ودوره، مهما تغيّر الزمن وتبدّل المشهد.
 
			