تسريبات البنتاغون تفضح فساد المخابرات الأمريكية ولا تضّر أوكرانيا

24 أبريل 2023

فرانك ليدويدج – الجارديان

ترجمة: أحمد الشافعي

حتى الوقت الراهن من هذا القرن، وقعت ثلاثة «تسريبات» علنية كبيرة لمواد خاصة بالمخابرات المركزية الأمريكية. كشفت أولاها -وهي سلسلة ويكيليكس التي أطلقها تشيلسي مانينج- عن تشوهات كامنة في قلب حربَي العراق وأفغانستان. وأماطت خبيئة إدوارد سنودن الضخمة اللثام عن حملة الولايات المتحدة غير القانونية لمراقبة الشعب الأمريكي نفسه. وفي الأسبوع الماضي، شهدنا مجموعة أخرى من الوثائق السرية تثير انزعاج المخابرات الأمريكية.

الأحدث من هذه التسريبات -في ذاتها- هي الأقل ضررا من الناحية السياسية. ولكن ما تظهره مرة أخرى هو التعفن الخطير المستمر، ذاتي الصنع في قلب النظام المخابراتي الأمريكي، الذي يتمثل في مزيج من الإفراط في التصنيف السري وإتاحة المواد السرية لاطلاع الكثيرين.

في ضوء طبيعة الوثائق المتاحة حتى الآن، وأغلبها يبدو تحديثات وتحليلات يومية، يبدو أنها لا تحتوي الكثير من المعلومات الاستخباراتية المضرة بالعمليات. ولعل الأهم فيها هو أنها «تكشف» طرق مخابرات الولايات المتحدة في التجسس على الحلفاء من قبيل كوريا الجنوبية وإسرائيل. فأي قائد حكومة له اتصالات مهمة مع الولايات المتحدة ويحسب أن حليفه هذا لا يرقبه عن كثب هو حاكم بحاجة إلى التخلص من مستشاريه في مكافحة التجسس.

فلا يجب إذن أن يندهش الرئيس زيلينسكي حينما يعلم أنه كان موضع مراقبة من الأمريكيين. أما عن المملكة المتحدة فلا يجب أن تصدمنا الأنباء أن قوات المملكة المتحدة الوحيدة التي لا تخضع لأي إشراف ديمقراطي فعلا -أي القوات الخاصة- منتشرة في أوكرانيا بأعداد غير هينة.

ليس من المحتمل أن تكون هذه القوات (ونظيراتها من أماكن أخرى في أوروبا والولايات المتحدة) مشتركة اشتراكا مباشرا في القتال، ولكنها بالأحرى تقوم بتدريب الجنود الأوكرانيين وتعين في عمليات التخطيط. وفي حين سيكون من الصعب على روسيا أن تذهب إلى أن حضور هذه القوات يدل على مشاركة مباشرة، فسوف يكون من الملائم لروسيا أن تفعل ذلك إذا ما سنحت الفرصة. ومما قد يكون على قدر من الأهمية أيضا المخاوف التي تم التعبير عنها في التسريبات من أن أوكرانيا قد «تعجز» خلال هجوم الربيع الذي طال انتظاره. وبرغم كثرة ما استنتج من هذا فقد أعرب الجنرال مارك ميلي رئيس أركان الولايات المتحدة عن رؤى مماثلة علنا.

الأهم هو أن التسريبات تمثل هدفا ذاتيا آخر للبيرقراطية المخابراتية ذات الموقف المشوش المَرَضِيّ تجاه إدارة المعلومات. فالنهج العقلاني في إتاحة الاطلاع على الوثائق السرية يقوم على التصنيف وفقا لتعريفات واضحة منطقية لمستويات السرية المتعددة مع التمييز والتحديد لـ«محدود التوزيع» و«السري» و«فائق السرية» على سبيل المثال.

الأمور طيبة حتى الآن، والولايات المتحدة تفعل هذا على نحو جيد. ويجب أن يكون هذا مصحوبا بنهج «الحاجة إلى المعرفة». بعبارة أخرى: «هل شخص ما أو مؤسسة مما له قدرة على الاطلاع بحاجة فعلا إلى معرفة هذا الذي يتاح له معرفته لكي يؤدي العمل الموكول له بكفاءة؟» فقد يتساءل امرؤ لماذا يجب أصلا أن «يحتاج طيار احتياطي صغير في كيب كود، ماساتشوستس -إذا كان هو بالفعل مصدر تسريبات ديسكورد- إلى «معرفة» الخطط الأوكرانية لضرب روسيا، أو التدابير السياسية لأجهزة المخابرات الإسرائيلية.

الجواب، بالطبع، هو أنه لا يحتاج إلى هذا -ومع ذلك فإن لديه القدرة على الاطلاع عليه. والسبب في ذلك يكمن في دافعين متعادلين ولكنهما قويان، يؤديان مجتمعين إلى هلاك السرية. فمن ناحية، يتسم أفراد الجيش والمخابرات في الولايات المتحدة بعادة خطيرة وشبه مرضية هي عادة الإفراط في التصنيف بالسرية، ومعاملة أي معلومات عسكرية بمثل معاملة المواد فائقة الحساسية حقا. ومثلما قالها بيل بيرنز يوم الثلاثاء الماضي: «هناك مشكلة خطيرة تتعلق بالإفراط في التصنيف بالسرية».

ويتفاقم الوضع بسبب نظام يقوم بعد ذلك بتوزيع المعلومات المصنفة على عدد ضخم من الأشخاص ذوي التصاريح الأمنية. فثمة عدد مذهل يقدر بـ 1.2 مليون موظف حكومي أمريكي لديهم قدرة على الاطلاع على معلومات «فائقة السرية». فضلا عن 1.6 مليون موظف إضافي يستطيعون قراءة المواد «السرية» فقط. فالمدهش بحق هو قلة وقوع التسريبات الضخمة.

ظاهر الأمر أن تخوف الولايات المتحدة، وبالتبعية تخوف أجهزة مخابراتية غربية، يكمن في أن ثمة إمكانية حقيقية لوقوع هذه التسريبات. إن نوع التسريبات التي رأيناها من مانينج ومن سنودن وفي ملفات ديسكورد تتسبب في حرج سياسي، لكن أهي مضرة حقا؟ من المرجح أن تكون المزاعم الصاخبة التي رددها مسؤولون وسياسيون أن «الأرواح في خطر» خادعة أو أنها «تنطوي على مبالغة كبيرة»، كما هو الحال مع التسريبات التي سبق الاعتراف بها علنا.

واقع الأمر أن من الممكن إثبات أن تسريبات ديسكورد أخطر قليلا على روسيا منها على أي قوة غربية. وانظروا إلى مدى المعلومات المكشوفة عن ارتباك روسيا داخليا، ومن ذلك على سبيل المثال جدال الأجهزة السرية مع وزارة الدفاع حول إحصاءات الوفيات.

قد تختلف دوافع مانينج وسنودن والمسؤول عن أحدث التسريبات. لكنهم يشتركون جميعا في رضاهم عن نشر موادهم. يكاد الجميع -حرفيا- يكونون على دراية بما تم نشره. أما التسريبات الخطيرة حقا فلا ينشرها أحد على الإطلاق. إنما يتم الاحتفاظ بها في غاية السرية. فلعل بعضها قد تسرب وكل ما في الأمر أننا لم نعرف به.

وفي حين أظهرت وكالات الاستخبارات الروسية بكل طريقة ممكنة أنها استلهمت المفتش كلوزو أكثر مما استلهمه الأمريكيون، فإن لها تاريخا طويلا من العمل شديد الفعالية. كما أن قدرات وزارة أمن الدولة الصينية، وبصورة نسبية، قوة الدعم الاستراتيجي الجديدة، تتفوق كثيرا على قدرات روسيا. فبدلا من التذمر بشأن الحرج الأخير والتخبط في إلقاء اللوم، يجب على «مجتمع» المخابرات في الولايات المتحدة أن ينشغل حقا بنقاط الضعف النظامية التي خلقها لنفسه بنفسه التي قد يكون من الثابت أن روسيا والصين وغيرهما يعملون بمنتهى الجدية على استغلالها.

 

قد يعجبك ايضا