حسن شهاب الدين: لا أخلع عني قميص الأبجدية

25 أغسطس 2023

حاوره: هاني نديم

حسن شهاب الدين يكفيه اسمه، شاعر مصري عزز حضوره بمنجزٍ رائع، يذكرني شخصياً سمتاً وصوتاً بأدباء مصر الخمسينيات، تلك الجدية والعمل الدؤوب والهدوء والتواضع الهائل. التقيته في دردشة سريعة. سألته:

  • أبدأ من بداياتك وأولى القصائد، عن العمود وعلاقتك به؟ وما إن جربت كتابة النثر. عن الشعر وعلاقتك وحياتك الشعرية. 

أما عن بداية الشعر فلم أجد أغرب منها على ما أظن، فقد رأيت أخي ذات يوم وأمامه ورقة وهو يعتصر جبهته وينظر إلى سقف الغرفة ويخط ويمحو فسألته عما يفعل فأخبرني أنه يكتب شعرا.. فسألته أي شعر ؟ هل هو الذي ندرسه في المدرسة ..فأجابني نعم.. ويا لدهشتي العظيمة ساعتها فقد كنت أظن أن لا شعراء إلا في الكتب المدرسية فقط..وطلبت أن أرى ما كتبه وحين انتهى أراني ما يسميه شعرا فزالت دهشتي تماما ورأيت أن ما كتبه أستطيع أن أكتب أفضل منه وقلت له ذلك فتحداني أن أفعل فأخذت ورقة وكتبت كأنني أكتب موضوعا للتعبير وكنت ماهرا في ذلك ولكن فقط قسمت الكلام على شطرين ثم أريته ما كتبت فكانت دهشته هو العظيمة هذه المرة وسألني جادا هل هذا ما كتبته الآن أم هو شيء من الذاكرة..فأقسمت على أنني ما كتبته إلا الآن فتعجب جدا وتعجبت أكثر لعلمي أنني ما فعلت شيئا يستحق وهكذا ولدت القصيدة الأولى المجهولة التي لا أذكر منها شيئا بالمرة ولكن الأكيد أنها كانت خربشات شاب في نهاية المرحلة الثانوية.

علاقتي بالقصيدة العمودية بدأت برهان بيني وبين حسن شهاب الدين إذ راهنته أنني أستطيع أن أحمِّل نصي كل ما يستطيع أي شاعر حداثي أن يصنعه في نصه

تجربتي مع النثر بدأت بعد. منذ ديواني الأول وجدت أنني أتمرد على العمود فأفتح أقواسا وأضمن فيها مقاطع نثرية أو أزاوج بين البحور في النص الواحد ولكن كان بشكل أقل حدة من الآن، ثم صارت القصيدة النثرية لديَّ صورة أخرى من صور النص العمودي أكتبه خارج الإيقاع المعهود.

حياتي الشعرية بدأت منذ اللحظة الأولى التي أمسكت فيها القلم لأكتب ولم تنتهِ حتى الآن إذ أظن جادا أنني أعمل وبدوام كامل لدي هذا الكائن الذي اسمه الشعر وحتى صار كل نشاطٍ حياتيٍّ لي هامشا للشعر بلا أدنى مبالغة.

نحمل الشعر العمودي ما لا يطيق فليس صحيحا أن الشاعر المتمكن يستطيع كتابة أي تجربة من خلال العمود

  • العمود موجود أكثر من أي وقت مضى جنبا إلى جنب مع نصوص النثر، ما عيوب العمود وعيوب النثر برأيكم؟

– للشعر العمودي عيبان لا غير؛ الأول هو أن يكتبه شاعر غير متمكن.. شاعر لا يحسُّ الإيقاع، لا يحيط باللغة، وليس له أسلوبه الخاص الذي يميزه عن غيره فيجيء نصه إما مترهلا أو فضفاضا أو نثرا على هيئة العمود.

والعيب الثاني أن نحمله ما لا يطيق فليس صحيحا أن الشاعر المتمكن يستطيع كتابة أي تجربة من خلال العمود، ويضرب لنا مثلا على ذلك بالمتنبي الخالد أو غيره من العمالقة ولكن الحقيقة أن ثمة تجارب في عصرنا لا يمكن للوزن ذي المتكرر أن يحيطها بجناحيه.

وأما النثر فله أيضا عيبان الأول أن يكتبه الشاعر استسهالا أو لأنه لا يمكنه ضبط الأوزان. والثاني إلا يكون الشاعر ذا خلفية تراثية هائلة وأيضا نظرة محيطة بعصره أي يجعل للنص ثقلا وعمقا ليكون النص ذاته حاملا لنا سبب كتابته نثرا لا خليليا.

حسن شهاب الدين يحيا أفراحه وأحزانه وآلامه شاعرا

كيف تقرأ المشهد الشعري العربي اليوم، ما الذي ينقصه وكيف نصل إلى مناخ مثالي برأيكم؟

– المشهد الشعري العربي اليوم ضاجٌّ بالأصوات المتشابهة والمكررة والأصيلة أيضا وهو كثير الفوضى ولكنها فوضى رائعة لأنها بعد كثير من الصخب الجميل ستسفر عن أصوات رائعة، وأنت تعلم أن التاريخ قاسٍ بعض الشيئ بل قاسٍ كثيرا لذا فأنا أسمع في هذه الفوضى الكثير من النغم الصافي الذي سيؤول إلى شعر كثير . أما الأصوات الجادة فهي تثبت كل يوم أحقيتها بهذه الهبة الإلهية التي تضيف لعالمنا الكثير من البراءة والجمال والنقاء.

 

  • عن حسن شهاب الدين خارج الشعر، كيف تعيش وما هي أحزانك وأفراحك وآلامك وأحلامك؟

– أما عن أما عن حسن شهاب الدين يا صديقي فهو يحيا أفراحه وأحزانه وآلامه شاعرا.. وكم يتمنى أن الهروب من هذا الكائن الجميل الذي يصاحبه كظله بل كقرينه ولا ينجح أبدا، لأن ذلك الشاعر دائب في نصب فخاخ الشعر له حتى حين. أظن أنني هربت قليلا يقوم بتوريطه إما بنشر ديوان أو الفوز بجائزة، أو بحوار جميل كهذا الحوار، ولكن لا أحب أن يظن القارئ أنني لا أعيش حياتي أبا وصديقا وطفلا مجنونا ولكن الشعر يسمح لي بكل هذا بشرط ألا أخلع عني قميص الأبجدية.

 

قد يعجبك ايضا