4 يوليو 2023
حاوره: هاني نديم
- العريش، بتنا نحبها لأنك تحبها ولأنها حاضرة في إشاراتك الكتابية، حدثني عن علاقتك بالمكان، عن المنبت الأول وتكوينك الأول
– مدينة بيضاء القلب واليد بأبوابِ بيوتها المشرعة، خضراء الوجه بنخيلها الباسق، عفوية التشكيل بانطلاق مبانيها أفقياً، جامحة الروح بتفرد أبنائها، تلك كانت صورتها الذهنية التي تشكلت عبر سنوات قاربت العشرين لمدينة العريش، مدينتي، التي لم أولد ولم أعش بها مراحل الطفولة والصبا والشباب المبكر، إذ ولدت وترعرعت في مدينة العقبة الأردنية حتى قاربت سن العشرين، سنوات ظلت خلالها، مدينة العريش، حاضرة بما يروي أبي من أحداث ووقائع، ومن مغامرات صباه وشبابه- وهو تماماً أحد فتوات روايات نجيب محفوظ النبلاء- والتي كانت تحضر وتطفو على السطح كلما زارنا أحد أبنائها سواء من العائلة أم من خارجها، وفي ما ترويه والدتي من ذكريات أسرتها وأخواتها وإخوتها وما سجلته ذاكرتها من تفاصيل تربية أخوتي الذين يكبروني سناً، فأنا السابع في الترتيب بين عشرة من الأبناء والبنات، لكني الأول بين من وُلدوا خارج مدينة العريش- في مدينة العقبة الأردنية.
عدت والعائلة إلى العريش بعد عودتها لمصر عقب الاحتلال، ولم أكد اتشبع من طيب عطرها حتى غادرتها لأكمل دراستي الجامعية في القاهرة، ثم عدت لأحضانها فاقداً القدرة على مغادرتها لأكثر من أسبوع على أقصى تقدير، والحديث عنها يطول بما لا تطيقه الكتب والموسوعات، ورغم أنها مدينة شاعرة بطبعها، إلا أني لم أكتب حرفاً من الشعر أو غيره حتى أصبحت على مشارف الأربعين، فالكتابة عندي فعل مقدس يجب أن أكون أهلاً له، وليتني أكون.
عدت لأحضان العريش فاقداً القدرة على مغادرتها لأكثر من أسبوع على أقصى تقدير
- هل أنت راض عن المشهد الثقافي المصري والعربي؟ ما الذي يقصيك وما الذي يدنيك؟ ما الذي تحقق وما الذي تحطم؟
– بعيداً عن زحام الفعاليات والمسابقات والتكريمات والمناورات والتحالفات وما شابهها، المشهد بخير، والأدب- على الأخص- المصري والعربي يتمتع بعافية ربما غير مسبوقة، فما من يوم إلا ونكتشف فيه مبدعاً حقيقياً سواء من الشباب أو من الشيوخ الذين لولا الميديا ووسائل التواصل لبقوا خلف المجهول بالنسبة لنا على الأقل، فالمبدع الذي تسري روحه نحوك وتحتضنك عبر نصه الأدبي هو المشهد، وهو التاريخ والحاضر والمستقبل، وهذا ما يدنيني من القراءة وعالم الكتابة، فما ينقصنا في هذه الحياة الرديئة هو شيء من المحبة، فإن وُجدت هان بعدها كل شيء، وهذا ينطبق على كافة المجالات، وعلى الصداقة والقرابة والجيرة والزمالة، وما أقسى أن تجد كل هذا أو بعضه مجرد وهم خالص.
ورحم الله الصديق الشاعر السيناوي أشرف العناني إذ يقول:
مات دون أن يعرف أنني أحبه
ترى
هل أموت أنا الآخر دون أن أعرف أن شخصاً ما يحبني؟!
الكتابة ورطة، وهوّة سحيقة لن تخرج منها إلا بالكتابة نفسها
- هل ندمت على الكتابة وطريقها الوعر؟ كيف تصف علاقتك بالكتابة ولماذا تكتب؟
– في الرد على سؤال لماذا تكتب أنا أصدق إجابات الجميع وأجيزها، سواء من يكتب ليغير العالم أو من يكتب شاكياً لا أحد، للا أحد أو من يكتب حتى لا يصاب بالجنون، فكل إجابة جائزة، الكتابة عندي هي الورطة التي تستيقظ ذات يوم لتجد نفسك في متنها، كهوّة سحيقة لن يخرجك منها إلا الكتابة نفسها، لذا تكتب دون رفاهية أن تندم أو تفرح، أو تتعالى وتتغطرس أو تتحسر، فأي شعور مما سبق سيفقدك البوصلة، وما عليك إلا أن تكمل الدرب وتكتب، دون أمل أو رغبة في وصول، متلذذاً بمشاق الرحلة، راضياً بمكانك ومكانتك، وهنا يحضرني قول شاعرنا السيناوي البدوي حسين التيهي رحمه الله، إذ يتغزل في السيارة التويوتا نصف نقل فيبدأ قصيدته بالقول:
يا راكب اللي وسمهي بالارقام.
ويكمل قصيدته ومديحه ليقول في آخر بيت ما أراد قوله صراحة:
والدنيا عيد السرسري والحرامي
والحرّ فيهي زي البعير المشرد.
صدقت يا حبيب، لذا فأنا أكتب لأقول: أحبك أيها العالم السافل.