“نص خبر “- كمال طنوس
رعد بيروت بالأمس لم يكن شتاء أواخر تموز بل كان قصفاً ذهب ضحيته أبرياء وأطفال كفنوا بالتراب والدم.
حارة حريك التي تلقت الضربة الصاعقة تبعد أمتار عن وسط بيروت حيث تقام الحفلات ومن بينها حفل الشامي الذي اعتلا المسرح وحوله أناس هيصوا ورقصوا وفي البعد القريب هناك ناس تولول وتلم اشلاءها وتحتضن جراحها وتتفقد ارواحها.
لبنان الذي يريد أن يعيش ولا يعرف كيف يرقع مزاجه حتى يشعر أنه على قيد الحياة. ينتش الفرح نتشاً لحد يتبين أن الفرحة مقطوفة داخل جنازة وموت.
لا يصح هذا الفرح داخل هذا المأتم. بيروت التي مالت مع قصف الضاحية الجنوبية ومعها مال الوطن بكامله. كان الدخان كثيفاً يعمي حتى أصحاب الرؤية الذين لا يأبهوا للعتمة. كان من الأجدى أن تتوقف أنوار الليزر عن ارسال بريقها وسط هذا الكمد.
كان من اللائق لحرمة الحياة والموت أن يوقف مذياع الأغاني وصوت “التهييص ” عند صوت الندب.
حفلة الشامي في وسط بيروت أتت متزامنة مع الحدث الجلل المحزن. الناس توافدت والبطاقات بيعت والفنان الشاب اعتلا المسرح وحدث ما حدث بفارق ساعة. لكن كيف استطاع لصوت الغناء أن يعلو وعلى بعد أمتار صوت البكاء والنحيب يغور في الحناجر.
هذا شيء من انفصام هذا شيء من قلة المواساة وشيء من عدم الإحساس. انه بامتياز جنون. هذا لا يسمى حب حياة هذا يسمى عنفاً وضياعاً. كل من حضر حفل الشامي وهو معهم كانوا ضائعين تائهين مرضى.
كان الأمر يستحق شيء من التأمل والصمت شيء من الحلم والايمان شيء من تعاليم السماء، لكن الغناء والرقص وسط هذا الموت وهذا الخطر لا يعني سوى شيء واحد إن الذين ماتوا في الضاحية كانوا اقل موتاً من الذين كانوا في حفل الشامي وهو معهم.
موت أهل حفل الشامي اشد ألماً لأن الضمير محنط والانسان غائب والايمان كافر وكاذب.
أسال كيف استطاع الشامي ان يستل حنجرته وسط هذا العويل وسط هذا البكاء والعنف. ما هي الاغنية التي تلائم هذا الجمع الخائف وهذا الوطن المهتز. بالتأكيد لا يوجد.
وسط هذا العالم الذي لا يبالي إلا كل فرد بنفسه. يبدو الوضع مخيفاً ليس لأن العدو قصف وأمات فحسب بل لأن من يجب أن يلم رفاتك يتركك ليغني. يدوس فوق خوفك ويزغرد. وكأن البشر لم يعودوا بشراً. شعب يحب الهروب ولا هروب له لأن الفاجعة واحدة وزنار الموت والقتل يلفنا جميعاً.
شيء من العزاء كان أصفى وأطرب من كل هذا الرقص والغناء المزيف. الشامي ومن حضره كانوا أهل اليأس بامتياز لأن لا شيء يهزهم. الشفاء لهم جميعاً.
انتشر فيديو على مواقع التواصل الإجتماعي من حفل “الشامي” في مهرجان أعياد بيروت، البعيد بضعة كيلومترات عن الضاحية الجنوبية لبيروت التي استهدفها العدو مساء اليوم، الأمر الذي أثار الجدل على مواقع التواصل الإجتماعي pic.twitter.com/ldsbKbLgbg
— موقع جنوب 24 (@janoub24website) July 30, 2024