5 مايو 2023
سامح محجوب / القاهرة
رحل الروائي السوري الكبير حيدر حيدر في ساعات الفجر الأولى من صباح اليوم الجمعة 5 مايو في مسقط رأسه “حصين البحر” على الساحل السوري. حيدر حيدر صاحب رواية وليمة لأعشاب البحر، إحدى الروايات الأكثر جدلاً في تاريخ الرواية العربية، والتي دوّنها بعنوان فرعي “نشيد الموت” يرحل اليوم عن 87 عامًا. تاركًا وراءه إرثًا كبيرًا من الكتب والروايات والاحترام بوصفه مناضلًا لم يبع صوته لأحد ولم يهادن أحدًا ..
في أحد صباحات عام 1999 استيقظ الوسط الثقافي المصري والعربي على مظاهرات عارمة بحامعة الأزهر نتيجة مقالة تحريضية كتبها رجل مجهول لدى المثقفين المصريين اسمه محمد عباس وربما تكون هذه هي الواقعة الأولى وربما الأخيرة التي يتظاهر فيها طلاب جامعة الأزهر لسبب ثقافي بحت وهو بالتحديد حول رواية صدرت عن سلسلة آفاق الكتابة التي كانت تصدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة ويرأس تحريرها آنذاك الروائي والقاص الكبير إبراهيم أصلان، والرواية هي ( وليمة لأعشاب البحر ) للروائي السوري حيدر حيدر وهي الرواية التي صدرت طبعتها الأولى ببيروت عام 1983.
وتدور أحداثها حول مناضل شيوعى عراقى هرب إلى الجزائر، غير أنه يلتقى بمناضلة قديمة تعيش عصر انهيار الثورة والخراب الذى لحق بالمناضلين هناك، والرواية تقع فى 700 صفحة من القطع المتوسط والتي غالبًا لم يقرأها أحد ممن تظاهروا بسببها ورأوا أنها مسيئة للإسلام، وبها الكثير من الألفاظ والمشاهد الخادشة للحياء ولهذا خرجت هذه المظاهرات العارمة التي سقط فيها جرحى من الطلاب ورجال الأمن المصرى ووصل الأمر لمجلس الشعب وخروج العديد من البيانات المعارضة والمؤيدة للرواية هذا بالإضافة إلى المواجهات الحادة على صفحات الصحف والمجلات المصرية بين التيار الديني المتشدد وتيار التنوير الثقافي ووصل الأمر لإيقاف كل المسؤولين عن السلسلة بل وتم المطالبة بعزل وزير الثقافة المصري آنذاك الفنان فاروق حسني الذي شكّل لجنة من كبار المبدعين والمثقفين المصريين لكتابة تقرير حول الرواية منهم : جابر عصفور وأحمد هيكل ورجاء النقاش وصلاح فضل وفاروق عبدالقادر الذين رأوا أن الرواية قوية فنيًا وليس هناك ما يدعو لهذه الأزمة وأن هناك استهداف مقصود من قبل جماعات الإسلام السياسي للإبداع والثقافة ويجب مواجهته بحسم وقوة واصطفاف من قبل التيار التنويري.
الشاهد فى الأمر أن هذه الأزمة كانت أكبر دعاية ممكنة وقتها للروائي السوري حيدر حيدر الذي ظل لمدة عام كامل متربعًا على عرش المشهد الثقافي المصري والعربي وحظيت وليمة لأعشاب البحر بقراءة واسعة وحققت مبيعات غير مسبوقة داخل وخارج مصر واليوم يودعنا بدون ضجيج من صنع كل هذا الضجيج لمدة عام كامل.
وبرحيله اليوم، نفقد قامةً أدبية عربية قلّ نظيرها.