حيدر حيدر يدفن حيدر حيدر

 شواهد وشهود بجنازة الروائي حيدر حيدر

علي صقر – سوريا

حيدر حيدر الرجل الكائن بعزلته الشبه أبدية، من عزلة السجن لعزلة الغربة وليس أخيرا عزلته البحرية، والتي دامت لأكثر من خمسة قرون واعتكافه بصومعته البحرية بوطى حصين البحر على الساحل السوري بمدينته طرطوس. وربما ليس أخيرا يحمل حيدر جثمانه النحيل والمغطى بالقماش الأبيض كنصوع روحه على أكتاف مشيّعيه ليسيروا به من البحر للجبل، حيث تقبع قريته الوادعة حصين البحر وعلى مسافة قريبة من بيته، حيث المكان الذي اختاره لعزلته الابديّة.

تحت وليمة من أعشاب الرغبة والأمداء الشديدة الخضار لأشجار البلوط والسنديان والزنزلخت والزيتون، حيث اختار أن يكون مرقده الأخير بين المدى الأزرق اللامتناهي والجبال الدائمة الخضرة، ليدفن وحيدا وبعيدا عن البحر والكثير من محبيه على امتداد هذا الشرق اللعين..

ومع الغياب الكامل للمؤسّسات الثقافية الرسمية السوريّة وغيرها باستثناء يد كانت تحمل ميكرفون كتب عليه التلفزيون السوري، ومدير الثقافة بالمدينة. ومع الحضور اللافت لكتّاب ومثقفين من طرطوس واللاذقية ، أذكر منهم الاديب نواف يونس مدير تحرير مجلة الشارقة الثقافية، والروائي الناقد والناشر نبيل سليمان صاحب دار الحوار للطباعة والنشر في اللاذقية، والمترجم الدكتور ثائر ديب، و الروائي الدكتور محمد الحاج صالح والمترجم والصحفي مالك ونوس والناشر سامي أحمد والتشكيلي نزار حسن والشعراء منذر حسن ومحمد سعيد حسين وأحمد محمد واحمد كامل الخطيب، والفنان دانيال الخطيب، والمخرج المسرحي زهير عمر، والمترجم والناشر الأديب أحمد م أحمد، والنحات نزار علي بدر، والصحفي يعرب عيسى، وغيرهم بالإضافة لجمهرة من محبيه ومتابعيه، إلى جانب حشود من أهالي القرية التي كانت قد ودعت قبل سنوات المسرحي الكبير سعد الله ونوس، وهاهي اليوم تودّع القاص والروائي الكبير حيدر حيدر .

صورة خجولة لحشود طويلة

مع إعلان نبأ وفاته من خلال السوشيال ميديا عبر خبر نشره ابنه الناشر مجد حيدر طرش الفيس بوك وكل وسائل الإعلام خبر وفاته وتعددت الآراء بين محبّ لأعماله وبين رافض.. ولعله من المؤسف القول أن معظم الذين شاركوا في هذا السجال بين مؤيد لأفكاره حول ما حدث ويحدث بسوريا منذ أعوام وبين معارض لأفكار حيدر حيدر لم يتجشموا عناء قراءة أعمال الأديب الراحل قبل أن يطلقوا أحكامهم، بل بنوا مواقفهم انطلاقا من موقف الرجل حيال ما جرى في سوريا والذي اتسّم بالصمت، وقد يكون الصمت أكثر تعبيرا من الكلام في بعض المواقف، ولم يشفع للراحل تنديده الصارخ بالاستبداد وأدواته وإفرازاته في الكثير من أعماله الروائية والقصصية وعلى رأسها ملحمته الرائعة “وليمة لأعشاب البحر، نشيد الموت”، هذا النشيد الذي كتبه وغناه في الوقت الذي كان معظم هؤلاء يهللون ويطبلون للأنظمة المستبدة، ويعيشون على ما تتركه لهم من فتات موائدها. كأن حال حيدر حيدر من حال رواية جورج ارويل كان كان العوام الذي مات مرتين..

حيدر حيدر البحري العوام الذي مات مرتين، مرة من قمع ومطرقة الأنظمة العربية له ولأعماله، ومرة من سندان البعض من هذه (المعارضة) التي جاءت على مقاس الأنظمة وقدمت أفضل الخدمات لها. وليس أخيرا ، لا تقيموا له التماثيل، ولا تسمّوا السّاحات والمدارس باسمه ، فقط أعيدوا طباعة أعماله، واتركوا المجال للأجيال القادمة أن تقرأ حيدر حيدر دون خوف وبتجرد، فهي التي ستنصفه وتضعه في المكانة اللائقة به.

قد يعجبك ايضا