خلود المعلا: نحتاح إلى مبادرات ثقافية مستدامة تنهض بالأدب العربي وتبرزه

8 يونيو 2023

حاورها: هاني نديم

ثمة أسماء لا يمكن لها أن تغيب حتى وإن قررت ذلك، ومنهم الشاعرة الإماراتية خلود المعلا، ذلك أنها صوت شعري عميق، رائد ومؤسس لحركة الشعر الحديث في الإمارات، ترك بصمته منذ البدايات وحتى اليوم شاركت ومثلت بلادها والشعر العربي في محافل دولية عديدة.

تغيب خلود وتعود وبيدها شعلة الشعر مضيئةً لا تنطفئ، التقيتها في هذه الدردشة للسؤال عن المشهد العربي وأحوالها. 

سألتها:

  • بنظرة عامة على ما تغير من المشهد الثقافي الإماراتي والعربي اليوم، كيف تقراين المشهد الجديد، وهل حقاً لدينا مشهد من أصله؟ ما أبرز سماته؟
– بالتأكيد لدينا مشهد، ولا أكثر من المشاهد في هذه البقعة من العالم بواقعها المتأرجح وقضاياها المزمنة. إنها بالفعل أكثر وأشهر بقاع العالم اكتظاظا بالمشاهد والذي انعكس بأشكال شتى علينا نحن أبناء هذه البقعة.
حياتنا أغلبها مشاهد درامية متصلة ومستمرة سياسية كانت أو اجتماعية، تحكمنا وتقودنا وتسيّرنا بوعي أو دون وعي ، إنها ترسم مساراتنا. والمشهد الثقافي والإبداعي ما هو إلا نتاج لذلك ، وبدلا من تشكيل المشاهد وتحريكها، صارت هي التي تحركنا وتشكلنا. أشعر أحيانا أن المتتبع لها يدور في دوائر لامتناهية، سلاسل تقيد الأفكار وتعرقل حركتها. ولهذا شعرت بالتعب في السنوات الأخيرة وصرت أبتعد بهدوء عن المشهد فلم أعد متتبعة جيدة ولهذا قد يكون رأيي فيه مجرد انطباع عام ومختصر، فالمشهد الثقافي العربي كما يبدو لي ورغم ثرواته الإبداعية أراه عشوائيا، آنيا، مهزوزا، لاهثا ومسيّرا في معظم أحواله، وهذا مبرَّرٌ إذا ما نظرنا إلى تخبط المشهد السياسي و الاجتماعي بسبب ضعف وهشاشة المرتكزات التي تربط هذه المشاهد في نسيج واحد.
لا أنكر وجود بعض المبادرات الجادة هنا وهناك التي تخدم المشهد، لكننا نحتاج إلى خطة شاملة موحدة وواعية قادرة على خلق نسيج إبداعي جماعي متكامل لا فردي تنافسي. المشهد الراهن يفتقد لبيئة إبداعية صحية مرنة وخلاقة تلك التي لا تنمو إلا بالانسجام ، المشاركة، التفاعل مع أفكار الآخرين بهدف البناء لا التي تقوم على التنافس وكأننا في حلبة سباق أو تحدي كما هو حاصل. يحتاج المشهد خطة مستدامة تحكمها الجودة بعيدا عن أي حسابات أخرى، تأخذ على عاتقها مسؤولية تحقق وإبراز المنجز الثقافي العربي كمشروع جماعي متكامل قادر على انتزاع مكانته التي يستحقها في العالم. المشهد الثقافي الحالي عبارة عن جهود فردية حصرية وأحيانا أنانية تصل إلى حد السباق أو إثبات حضور بطرق لا حصر لها.
المشهد الثقافي العربي كما يبدو لي ورغم ثرواته الإبداعية أراه عشوائيا، آنيا، مهزوزا، لاهثا ومسيّرا في معظم أحواله
  •  تغيبين كثيراً وتعودين بقوة، أين تكوني بين المرحلتين، وما هي مشاريعك القادمة؟
– بصراحة لا أخطط ولا أتعمد الغياب. الغياب صار جزءا من مساحتي الخاصة التي تمنحني السلام والهدوء. أنا أسعى للتنفس بحرية بعيدة عن ما يعرقل جريان الهواء والهوى داخل مسارات روحي .أحب الضوء وأركض خلفه، وتزعجني الأضواء جدا وأهرب منها. أنا أبحث عن القصيدة التي تعطيني حالة من العطش اللذيذ، السكينة، النبض والشعور بالحياة. تلك القصيدة التي كلما قرأتها لنفسي أو من يفهمها- اشتعل فتيل الكتابة عندي من جديد. هذه حالة تخلق لي عالم داخلي يجنبني الكثير من التعب، حالة تغنيني عن الأضواء والضوضاء. ولهذا ألجأ إلى الغياب الطويل. في فترة الغياب تخفت عندي رغبة الخروج من العزلة، أو الظهور أو حتى النشر ،تجنبا لما قد يؤذي مزاج الكتابة عندي، أو ربما لأني أكتفي بذلك الشعور الداخلي الآمن بعيدا عن هتافات منصات التواصل الاجتماعي وغيرها، وقد يكون التعب أو الكسل سببا أيضا.
مثل هذا الشعور الداخلي يأخذني إلى الكتابة ولهذا أتمادى في الغياب بحثا عنه. لا أحرص على نشر جديدي في وقته، ومعظم قصائدي لم أنشرها في غير كتاب. أغيب ، وقد أتأخر كثيرا وتصير العودة بعد الغياب الطويل مقلقة جدا لأنها تعيدني لمساحات ضوء هجرتها أو هجرتني. بالعودة أنشغل، وينطفئ فتيل الكتابة عندي لفترة لكن وفي نفس الوقت طول الغياب يجعلني عرضة للنسيان فأعود محاولة المحافظة على ذلك الخيط الرفيع بيني وبين المتتبع و المهتم بتجربتي. عندي العديد من القصائد التي لم تنشر بعد وهناك نية متخاذلة من طرفي لإصدار ديوان جديد قبل نهاية هذا العام بعد صمت دام أكثر من ست سنوات.
  •  ما هو المنعطف الذي وضعك على جادة الشعر، وهل الشعر قرار أو خيار؟

– لم أقرر يوما أن أكون شاعرة وما خطر ذلك على بالي رغم أني عشت طفولتي في أحضان الشّعر، بداية من جدي لأمي الذي كان شاعرا وعشت معه ومع طقوسه سنوات طفولتي الأولى، ثم انتقلت بعد وفاته للعيش مع أمي وهي الشاعرة التي ورثت من والدها موهبة الشِّعر وذاع صيتها في الوقت الذي كانت الشاعرات يكتبن في الخفاء أو بأسماء مستعارة. لذلك بدأت محاولاتي لكتابة الشعر منذ الطفولة. كتبت الكثير من القصائد ولم أنشر إلا في نهاية المرحلة الجامعية وكان ذلك بالصدفة ودون تدخل مني.

بصراحة لا أخطط ولا أتعمد الغياب. الغياب صار جزءا من مساحتي الخاصة التي تمنحني السلام والهدوء

قد يعجبك ايضا