خليل صويلح: وسائل التواصل صنعت كائنات طاووسية!

17 أبريل 2023

حاوره: هاني نديم

خليل صويلح الروائي والصحافي السوري الكبير في ضيافتنا اليوم، اقتحمنا احتفاليته بصدور كتابه الأخير “ناحية الماء والكلأ” كي نأخذ منه هذه الدردشة الخفيفة. سألناه:

  • منذ وراق الحب، وخليل صويلح يكتب روايته ويشير إلى روايات أخرى، ما الذي دفعك اليوم إلى كتابة كتاب كامل عن الرواية. بم تحدثنا عن الكتاب؟
  • لطالما كانت روايات الآخرين بمثابة قارب نجاة بالنسبة لي كقارئ، أنا الذي يردد دائماً بأننا نحمل فوق أكتافنا مقبرة من الأسلاف. بمعنى أنني انتمي إلى آباء كثر من “أبو حيّان التوحيدي، والجاحظ إلى سرفانتس وماركيز”. إنهم جميعاً يتجولون في نصوصي بوصفهم حرّاساً لجنون المخيّلة. فلا نص مكتملاً من دون أن يتلوّث بحبر الآخرين. وبخصوص كتابي الأخير” ناحية الماء والكلأ” فهو وفقاً لعنوانه الفرعي” مرافعات عن عمل الحكاءين . شخصياً لا أتصور أن شغف القراءة سيكتمل بغياب هؤلاء وسواهم من الروائيين العظام  عن حقل عباد شمس الكتابة. يأتي هذا الكتاب تأكيداً لما يقوله باتريك موديانو “كل كتاب اعتذار من الذي سبقه، وحجة لكتابة الذي يليه”. ومن ضفةٍ أخرى، فإن هذا الكتاب هو سعي إلى اقتفاء أثر روايات، كانت بالنسبة لي، مرجعاً جمالياً في الكتابة، وشغف القراءة، مثلما هي مشغل سردي لتطوير عمل المخيّلة، والتحليق عالياً مع شخصيات وأماكن ومواقف، لطالما كانت بمثابة قوارب إنقاذ من يأس مؤكد. هكذا كان عليّ أن أعمل على حراثة نصوص مُلهمة بتحديقة مختلفة لجهة الحذف، والإضافة، كما لو أنها نسخة أولى بحاجة إلى توطين أو قيد نفوس. سيقع القارئ إذاً، على إحالات إلى بعض عناوين  وردت في كتب سابقة، هي “قانون حراسة الشهوة”، و “ضد المكتبة”، و “نُزهة الغراب”، و”حفرة الأعمى”، فيما يخص الرواية دون غيرها، ووضعها في نسق مختلف عمّا كانت عليه قبلاً، تبعاً لمشيئة القارئ لا الروائي، بالإضافة إلى فحص مصائر بعض الروايات والسير واليوميات تحت بند “الكتابة بلا بنج”، حيث لا فرق جوهرياً بين الأدوات المستعملة في غرفة العمليات، وغرفة الكتابة، أقصد تلك النصوص التي كتبها أصحابها باللحم الحيّ، وبأقصى حالات المكاشفة. هذه العناوين المختارة، تأتي كمرافعة عن عمل الحكّائين، وتبجيلٍ لصنيعهم، أولئك الذين أهدونا عمراً إضافياً بتدوين حيوات متخيّلة، خرجت من رحم الروايات إلى فضاء العيش.

أردد دائماً بأننا نحمل فوق أكتافنا مقبرة من الأسلاف. بمعنى أنني انتمي إلى آباء كثر من “أبو حيّان التوحيدي، والجاحظ إلى سرفانتس وماركيز”.

  • بصراحة وبدقة، ما رأيكم بالرواية السورية اليوم؟ هل لدينا حقاً ما نستطيع أن ننافس به الآخرين؟
  • لم أنظر إلى الرواية السورية يوماً على أنها جزيرة معزولة عن خريطة الرواية العربية، فالأدب لا يعمل وفقاً لجغرافية البلدان، بقدر ما يحفر في الروح الإنسانية. في روايتي الأخيرة “احتضار الفرس” اتهمت الروائي المكسيكي خوان رولفو صاحب رواية “بيدرو بارامو” بأنه كتب عن قريتي رغم بعده نحو ألف ميل عنها ، فيما لا تخاطبني رواية تنطق بنفس لغتي وعلى مرمى حجر . الأمر يتعلق بالذائقة في المقام الأول. وتالياً لا أجد صلة قرابة مع سوريين آخرين على الدوام. قرأت حنا مينه بشغف قبل ثلاثين عاماً، لكنه الآن فائض عن حاجتي جمالياً. ثم التشظي الذي أصاب الخريطة السورية في العشرية السوداء وضع معظم الروايات الراهنة في باب تصفية الحساب او أنها منشغلة بالثأر من الآخر. كانت رواية “قصر المطر” لممدوح عزام مدهشة، ثم” لا تخبر الحصان”، و كتب فواز حداد “موزاييك دمشق” في المقام نفسه ثم لم أعد أجد ما يجذبني إلى أعمال الأخير. أفرزت الحرب نحو مئتي رواية، يا للهول! يحتاج الامر إلى موظف إحصاء أكثر من حاجته إلى ناقد.

وسائل التواصل نقلت البعض من بريد القراء إلى الحائط الأزرق كأعضاء أصليين في نادي الكتابة

  • كيف تتعامل مع وسائل التواصل، وكيف ترى علاقتها مع المبدع والصحافي؟
  • احتاج إلى وسائل التواصل يومياً بحكم عملي الصحافي، وأمحو ما يقع في باب التفاهة. المعضلة أن هذه الوسائل صنعت كائنات طاووسية بريش اصطناعي. ذلك الغرور والجهل، وكيف انتقل بعضهم من بريد القراء إلى الحائط الأزرق كأعضاء أصليين في نادي الكتابة. عموماً من يحتاج إلى الأشجار المثمرة سيجدها هنا، مثلما سيجد شجرة ضخمة مثقلة بالترهات.

قد يعجبك ايضا