دانيال دي لويس.. المعجز والمرعب!

هاني نديم – نص خبر

في سؤالٍ نادر لصحافي محظوظ؛ سُئل دانييل دي لويس: لماذا تضع وشوماً على يديك؟ فأجاب: لأنني في سجن!.. حسنٌ؛ هذا مدخلٌ لا بأس به إلى أحد عباقرة الشاشة الفضية عبر التاريخ، دانييل دي لويس، البطل الحقيقي أمام الشاشة ووراءها ويمينها ويسارها. فهو من سلالة لديها أساطيرها التي تعترف بالبطولة والقيم، لهذا اعتزل في أوج مجده دون أن يلتفت للمجد والأضواء ولوثة الشهرة وعطاياها!

ولد دانييل 29 أبريل 1957 في لندن، أبوه هو الشاعر البريطاني الشهير سيسيل داي لويس، ووالدته هي الممثلة جيل بالكون، ابنة السير مايكل بالكون، الرئيس السابق لاستوديوهات إيلينغ.

بعد عامين من ولادته، انتقلت العائلة إلى كرومز هيل عند غرينتش حيث نشأ دانييل مع أخته الكبرى، تاماسين التي أصبحت طاهية ومخرجة أفلام وثائقية معروفة. ولد وعمر أبيه 53 عاماً، فكان عليلاً ولم يلتفت جيداً لابنه الشغوف، مات ودانييل عمره 15 عاماً، مفتقراً إلى العاطفة، مليئاً بالحسرة والندم بسبب عدم قربه من والده.

بدأ التمثيل كما انتهى، انتقائياً وحريصاً على خلق عوالم شخصيته مهما كلفه الأمر، في فيلم “قدمي اليسرى” الذي يكون فيه على كرسي متحرك، كسر ضلعين من أضلاعه بسبب جلسته المائلة على الكرسي طيلة أشهر العمل. كان دوراً إعجازياً كما وصفه النقاد.

عشت متوحشاً وأنا أكثر وحشية على نفسي

أصابته نوبة هستيرية على خشبة المسرح وهو يمثل دور “هاملت” حيث دخل في موجة عظيمة من البكاء والصراخ والارتجاف، وترددت شائعات مفادها أن دانييل رأى شيح أبيه، مثل هاملت تماماً، وهو ما أكده شريكه في العمل بعد سنوات. من يومها؛ لم يعد دانيال إلى المسرح.

في كل أفلامه، وهي 20 فيلماً فقط رشح من خلالها لخمس جوائز أوسكار نال منها 3،  وجائزتي بافتا وجائزة جولدن جلوب! في جميعها، كان يعيش الدور داخل الكاميرا وخارج الكادر وفي النوم واليقظة وبعد الفيلم وقبله، في فيلم آخر الموهيكان أنزل وزنه أكثر من 10 كيلوغرام، أكل العشب ونام في العراء طيلة التصوير، دخّن ورق الأشجار وتعلّم صيد السمك بالحربة.

رجل صارم في حياته اتجاه نفسه قبل الآخرين، لا يتكلم عن حياته الخاصة ولا يعرف أحدٌ ما عنه أي تفصيل. كان يشبه الأسطورة وظل يشبه الأسطورة.

أنزل وزنه مرة أخرى في فيلم عصر البراءة الذي مثله بعد عامٍ من فيلم آخر الموهيكان (1993)، مثل دور ثائر إيرلندي، فنام في الزنزانة معظم أيام التصوير، وطلب من الطاقم الفني أن يعذبوه بشكل حقيقي وأن يسكبوا عليه الماء البارد فعلاً. يريد أن يغضب أكثر..

لويس ينزل وزنه 20 كيلو من أجل دور

بعد فيلم الملاكم الذي تدرب من أجله ستة أشهر مع بطل العالم باري ماك جيغان، قرر أن يأخذ فترة تقاعد بسبب الإنهاك، فذهب إلى إيطاليا ليمارس مهنةً يحبها، وهي صناعة الأحذية الفاخرة، وكما في الأفلام.. تعلّم كبس المسامير ودبغ الجلد وتلميعه ولفّه في قوالب. وكما هو في الحياة، غاب عن الأنظار فلم يره أحد في تلك الفترة إلا صحافي تعثر به صدفة ففضح أمره.

إنه اليوم أيقونة علمت هوليود معنى الأخلاق المهنية والإخلاص في العمل، يقول دانيال: “عشت فترةً من حياتي كمتوحش، وعشت طيلة عمري متوحشاً على نفسي، لا أهادنها ولا أسمح لها بالترهّل.. كذلك بالنسبة لعملي، إنه حرب ضروس لي وليس ترفيهاً لك! وحالما أفقد شغفي.. سأرحل”.

في دور لينكولن الذي منحه أوسكار

رحل فعلاً عام 2017 وأدار ظهره للجميع ولحملات المناشدة التي أطلقها كبار نجوم السينما ومخرجيها، والآن.. لا أحد يعرف عنه شيئاً يذكر سوى أنه أسطورة حية آثرت أن تعيش خارج الأضواء.

قد يعجبك ايضا