دلال جويد: الظلم والمظلومية شماعةٌ نعلق عليها يأسنا

4 أوغست 2023
حاورها: هاني نديم
في الوردة ما تيّسر منك، لعل عنوان ديوان دلال جويد هذا يشير بكل أصابعه إلى شاعرة تنضح بالرقة والعطر في شعرها الرفيع، تكتب الشعر ببساطة مستعصية، ذلك أنها أكاديمية درست الأدب العربي ونقده، وتعرف المقادير بدقة متناهية. 
دلال شاعرة عراقية تعيش في لندن حيث تعمل في الشأن الثقافي وتنشط في مهمات ثقافية عدة. التقيتها في حوار سريع للاقتراب من عوالمها الأدبية.
سألتها:
  • هل ظلمت الشاعرة العراقية وسط تلك الحشود من الأسماء الكبيرة من الشعراء؟ كيف ترين وضع الشاعرة العراقية اليوم، تحدياتها ومشكلاتها، وإنجازاتها ونجاحاتها؟
– لا أحب كلمة الظلم والمظلومية في الخطاب الأدبي عموما لأنها أصبحت ثيمة مسيطرة بقوة على حياة العراقيين وكأنها الشماعة التي نعلق عليها يأسنا وعدم قدرتنا على مواصلة الحياة أو المنتج الإبداعي الذي نريد. الشاعرة العراقية مثل الشاعر،  عاشت وتعيش كمّاً كبيرا من الفوضى السياسية التي انعكست على الأدب وقدمت أسماء شعرية على أسماء اخرى ربما تكون أكثر إبداعا..
أعتقد أن المرأة حققت وتحقق حضورا واضحا في الساحة الشعرية العرقية بغض النظر عن عدد الأسماء البارزة، فكما تعرف أن كل الأمور الآن تخضع للتسويق ولا يمكن الحكم المطلق على الشهرة أو ما يسمى بالأسماء الكبيرة من دون النظر إلى آليات تسويقها وأسبابه، أما مشكلات المرأة في مجال الأدب فهي مشكلات اجتماعية قبل أن تكون إبداعية لانها ما زالت خاضعة للتقيم الاجتماعي والعلاقات المتعلقة به قبل ان يتم النظر إلى منتجها الأدبي، فضلا عن القضايا التي تنطلق منها المرأة قد تختلف جذريا عن قضايا الرجل، فحتى ثيمة الحب لها منظور مختلف عن الرجل لاختلاف طبيعة الرجل والمرأة.
الفخ التي تقع فيه المرأة المبدعة هو محاولتها الكتابة بلغة الرجل
والفخ التي تقع فيه المرأة المبدعة هو محاولتها الكتابة بلغة الرجل التي تلغي الكثير من قدرتها على التعبير الانثوي وتحجمه. ومع ذلك لابد أن أشيد بمبدعاتنا العراقيات في مختلف الأشكال الأدبية لسببين أولهما القدرة على إيصال صوت المرأة وتقديم نتاج ابداعي في الشعر والرواية والقصة والنقد الأدبي وغيرها ما يخفف من حدة الهيمنة الذكورية على الأدب ويخلخل فكرة الإبداع الأدبي المقصور على الرجل، والأمر الآخر هو شجاعة تلك المرأة التي تخرج من مجتمع مغلق كالمجتمع العراقي لتكتب عن ثيمات يكاد الحديث فيها يكون ممنوعا أو غير جائز وأحيانا تكتب في المسكوت عنه الذي يخفيه محيطها ولا يتناوله الرجل وقد لا يلتفت إليه.
  • حدثيني عن البدايات، كيف كانت وأين صارت. ما الذي اختلف بين البدايات والآن في نظرتك للشعر وكتابتك القصيدة؟ 
– البدايات كانت في المراحل الدراسية الثانوية والجامعية لكني في الحقيقة لم أكن مخلصة لكتابة الشعر بقدر إخلاصي لفكرة أن أعيش الشعر وأتمرد به حياتيا، وما أن بدأت رحلة السفر حتى انغمست بالعمل الإعلامي اليومي الذي استنزف كل الطاقة التي يمكن أن استخدمها في الكتابة ولكنه في الوقت ذاته كان تدريبا صارما على السعي نحو تجويد العبارة وتقديمها بالشكل الذي يليق بالمتلقي.
وفي ذلك الوقت شكل السفر منعطفا استكشافيا في حياتي، فبين دبي العربية المترفة المستقرة الى لندن الحلم الصعب والمختلف والمستقل وبين مراحل التأقلم والانسجام مع البيئات المختلفة؛ كانت هناك الكثير من القصائد والحكايات التي تنضح بهدوء..
ليست مهمة الشاعرة أن تكون حسب المتوقع منها ولا أن تسعى لكسر التوقع، هذه معركة خاسرة إذا ما انساقت معها،
وأعتقد ان لندن هي البيئة التي حررت تلك القصائد من عقالها وشذبتها. في السنوات العشر الأخيرة تعلمت أهمية الحذف في الكتابة، تعلمت التصالح مع اللغة وتخفيف الضغط عليها، وصرت أنظر إلى النص الذي أكتبه على أنه صديقي يراني ويعيد إنتاجي بكلماته، ولم أعد أقلق كثيرا من النقد أو التقييم أو حتى التحامل الذي تواجهه أية امرأة تكتب في مجال الأدب.
دراستي الأكاديمية في الشعر والنقد الادبي وتخصصي فيه أعطتني الحرية في التعبير والتخفيف من أعباء الأشكال الشعرية التي تطمح دائما لارضاء الآخرين نقادا ومتلقين.. ليست مهمة الشاعرة أن تكون حسب المتوقع منها ولا أن تسعى لكسر التوقع، هذه معركة خاسرة إذا ما انساقت معها، وإنما مهمتها أن تكون هي بقناعاتها التي قد تتغير حسب الظروف والزمان وتغيرات الوعي.. والأمر الأهم أن تكتب نصا جيدا ولا تخدع نفسها بكثرة المديح، أن تجد أدواتها اللغوية والفنية والفكرية لبناء نصوصها وأن تعمقها بالقراءة والتفكير والمراجعة، وأن تسمع صوتها الداخلي بوضوح كي تنسجم معه.
  • -بعيداً عن الشعر قريباً من الحياة، ما هي مسراتك ومباهجك ونمط حياتك، كيف تعيش دلال جويد يومها؟

– بعيدا عن الشعر السفر هو أكبر المباهج، ولكنه لا يتوفر كل يوم، وكوني أعيش بعيداً عن العراق فانا أعد نفسي مسافرة دائما.. وفي هذا السفر أعيش الأمومة والحب وكلاهما له الحيز الكبير في يومياتي، العمل يأخذني كثيرا، ورغم أنه ليس العمل الذي أحب فأنا أكره التدريس لكني أحب طلابي جدا وأخلص في تعليمهم اللغة العربية وأشعر بالرضا وهم يتحدثونها معي.

الحياة هنا في الكثير من السعادات مثل وجود صديقة قريبة من القلب تكون هي الأهل في الغربة، حضور الفعاليات الثقافية المنوعة فضلا عن تنظيم بعضها او أن أكون جزءا منها، والبحث عن مصادر المعرفة التي لم تعد مقتصرة عى القراءة فهنا السينما والمسرح والموسيقى ومختلف الفعاليات الجمالية تمثل مصادر معرفة ومتعة في آن، الأشياء التي يمكن أن تصنع بهجتنا قد تكون عادية ومملة للآخرين مثل الطبخ والزراعة فهما فعاليتان تخففان حزني وتوتري، وتمنحني الهدوء الصافي لأنهما مرتبطتان بالحب، حب النبات وردة أو شجرة، وحب من نعد له الطعام طفلا كان أو حبيبا، وفي الحقيقة منذ أكثر من عشرين عاما لم أشعر بالفراغ فهناك دائما الكثير من الانشغالات الجميلة، التي هي بالنتيجة تساعد على إنتاج الشعر.

Open photo
قد يعجبك ايضا