5 يوليو 2023
حاوره: هاني نديم
مع شاعر مشتبكٍ وجريء مثل حسين القاصد، لن يكون الحوار عادياً أبداً، إنه يسمي الأسماء بأشيائها دون تردد، وهذا سبب له الكثير من العداوات والصدامات، يشير بإصبعه ولا يتوارى وراءها أخطأ أم أصاب، واللافت في الأمر، أن أحداً من خصومه لم يقترب من شاعرية القاصد ولا نقده.
ولأنني قريب منه، تجرأت على سؤاله عن خصوماته ومشاكساته وما يتهم به من عنف وطائفية، كما سألته عن مشروعه النقدي اللافت والمختلف.
- يخطر لي هذا السؤال دوماً، بوصفك أستاذ نقد منهجي، وقبل ذلك شاعراَ، ألا يفسد النقد الشعر؟ المعرفة والمقاييس بالمسطرة ألا تقف في وجه النصّ نوعا ما؟
– قد يفسد النقد الشعر حين ينضب الشاعر وتجف منابع شعره؛ أما أنا فدخلت النقد من الشعر فضلاً عن الأكاديمية، وهما رافدان للنقد شرط أن لا يبقى النقد حبيس القوانين الأكاديمية الجافة، لذلك وجدت نفسي في النقد الثقافي وهو نقد ثائر، مواجه! مشاكس، فاضح، لكنه لا يتخلى عن الجماليات كما أراده عبد الله الغذامي أو كما زرع بذرته الأولى عربياً، عالم الاجتماع العراقي د.علي الوردي، وكلاهما، الغذامي والوردي، كان همهما عدوانية الشعر وقبحياته لا جمالياته، وهو عندي غير ذلك.
- كيف عندك غير ذلك، أحتاج تفسيراً؟
– أنا اجترحت الصورة الثقافية والتشبيه الثقافي وكسر أفق التوقع الثقافي، ثم توجت كل ذلك باجتراح مصطلح (الدلالة الثقافية) في كتابي ما قبل الأخير “الدلالة الثقافية وسيميائية النسق المضمر”؛ والدلالة الثقافية لم يسبقني إليها لا أدورنو مؤسس النقد الثقافي، ولا ليتش و لا حتى العملاق رونالد بارت ولا حتى الغذامي.
من يقول عني طائفي هو من لم يجد في شعري أو منجزي النقدي ما يطعنني به
- اسمح لي دكتور واعذرني، عليّ أن أسألك هذا السؤال؛ توصف بالآتي: هجومي، حاد، طائفي! بماذا تواجه تلك التهم التي يتم تداولها؟
– لهم ما يصفون، العيون عيونهم بها يروني واللسان لسانهم به يصفوني؛ أما أن أكون هجوميا فهذا مبالغ به، نعم أنا عكس ذلك تماما، أنا دفاعيٌ جداً حدّ زراعة الرعب لدى الآخر، لذلك يرصد دفاعي على أنه هجوم وينسى هجوم الآخر. وأما حاد فأنا مكروه للوهلة الأولى وكل من يكرهني يحبني بعد حين.
أما عن الطائفي فالمواطن العربي مأزوم جدا، وسأخبرك بشيء أن أحد أصدقائك في العراق – وهو من طائفتي- حينما كانت هناك دعوة لشعراء عراقيين أخبر صديقتنا الشاعرة صاحبة الدعوات أن تستثني حسين القاصد لأنه طائفي! ترى.. استثنيت لأني طائفي والواشي من طائفتي أم استثنيت خوفا من شاعريتي؟ المواطن العربي يا صديقي يتفق مع الجميع شرط أن لا يكون مسلماً من طائفة أخرى! هذا هو الطائفي فهل وجدتني كذلك؟ لقد زرتنا في العراق وأنا زرت الشام وزرت بيتكم في حياة والدكم رحمه الله، وما زال ولدك مصطفى يناديني ( عمو) فكيف أحب مصطفى عمه الطائفي؟ هذه اتكاءات لأنهم لم يجدوا في شعري أو منجزي النقدي ما يطعنونني به.
تكمن صحة الثقافة أن نختلف في الرأي لكن لا يصل خلافنا للعداء والتسقيط
- في الخمسينيات والستينيات كانت الصحافة الثقافية تقوم على الشجار الثقافي إن جاز التعبير، الردود النارية المتبادلة بين الأدباء الكبار ما زالت محل دراسة وبحث، هل هذا يذكي روح المشهد الثقافي أم يشعل حروبا لا طائل منها وما الذي تبدل اليوم؟
– على شدتها كانت خلافات ثقافية، فاتحاد الأدباء والكتّاب في العراق أسسه الجواهري في زمن عبد الكريم قاسم وكان عبدالكريم قاسم يتعرض لهجمة قومية بزعامة جمال عبد الناصر ومثقفيه ومن بينهم نازك الملائكة؛ لكن لا عبد الكريم قاسم ولا الجواهري منعوا أو حجبوا نازك الملائكة والسياب اللذين هاجما عبد الكريم قاسم في حياته ومن داخل العراق وخارجه؛ بل حدث أن أقيم مؤتمر الأدباء العرب في الكويت وكانت اللافتات تستقبل وفد العراق بالإساءة على طول المسافة من البصرة إلى مقر المؤتمر في الكويت؛ كانت اللافتات تندد بالشيوعية واليسار العراقي، وكانت نازك الملائكة ( القومية الناصرية) ضمن الوفد؛ لكن الجواهري سكب فور ارتقائه المنصة زيتاً كثيفاً على نار الاستقبال السلبي حين قال في كلمته: “أنقل لكم تحيات الزعيم الأوحد عبد الكريم قاسم”؛ فاشتعلت القاعة بالرفض، وأراد الجواهري أن يسحب الوفد العراقي لولا دور أعضاء الوفد العراقي بالتهدئة ومن بينهم د. صلاح خالص عضو المجلس المركزي لاتحاد الأدباء وقتها؛ لذلك تكمن صحة الثقافة أن نختلف في الرأي لكن لا يصل خلافنا للعداء والتسقيط، إذ لم يحدث أي خلاف بين أعضاء الوفد العراقي الخمسيني نسبة إلى الخمسينيات.
- بعيدا عن الأدب، ما هي مباهج وأحزان حسين القاصد؟
– شفة نصف معضوضة.. وابتسامة طفل.. قصيدة جديدة وكتاب نقدي جديد. أما الأحزان فبعد فقدان ثلاثة أرباع اسمي أخي حسن بسبعة أعوام تكرر الاسم لأفقد ثلاثة أرباع اسمي مرة أخرى أمي حِسن، ثم استشهد صادق العام الماضي؛ ولم يبق لدي سوى أشلاء دمعة تترقب ذكراهم لتهطل على خدي.