10 يونيو 2023
حاوره: هاني نديم
يمثل د.راشد عيسى حالة فريدة من العمل الأكاديمي والإبداعي يعملان كخط إنتاج هائل لا يسبق أحدهما الآخر، فهو ناقد وأستاذ جامعي كما أنه شاعر وروائي بالتوازي. قرأت له ديوانه الشعري “حفيد الجن” أول ما قرأت وهو ما فتح علي عوالم د.راشد السحرية بين بحثه الجاد الرصين، وجنون الإبداع وانزياحاته اللامنطقية.
هو شاعر أردني فلسطيني/ شامي ومصري وعربي الهوى والانتماء، دردشت معه في لقاء سريع، سألته:
- رشدونيوس هويتك الشعرية، ماذا أردت حقا من هذا الكتاب، هل ألفته لنفسك أم للآخر، هذا مدخل لأسألك كيف تمضي إلى قصيدتك من أين تبدأ وكيف تخرج؟
-للحق كتابي رشدونيوس هو الذي ألّفني، ضاعت إحدى قصائدي الجديدة آنذاك فقلبت الدنيا بحثًا عنها فلم أجدها. سألني أحد أحفادي العشرين: لماذا تشغل نفسك هكذا؟ اكتبْ غيرها. أجبته: لو ضاعت السيارة أهون عندي من ضياع قصيدتي. قال: أإلى هذه الدرجة؟ ماذا يعني لك الشعر يا جدّو؟ أعترف أنني ارتبكتُ، والتبست نفسي على نفسها، حضنته ووعدته أن أجيبه عن سؤاله كتابةً، فامتدت الصفحات بي إلى صورة كتاب.
عدد كبير من الشعراء كتبوا شهادات إبداعية عن تجاربهم، غير أني أردت كتابة هُويتي الشعرية، لأكشف لأحفادي كيف كان الشعر عزائي الوحيد في تصديق كذبة الدنيا ومداراتها ،مثل ما تجامل كلبًا مسعورًا يصرّ على عضك من الرقبة. وعلى ذكر الكلب: عندما كنت في العاشرة عضني كلب غبيّ مستهتر، فجئت أبي أبكي. نهرني وأقسم ألا أدخل البيت إلا إذا عضضت الكلب مثلما عضني. غبتْ عن البيت يومين كنت أنام فيهما فوق شجرة توت. عدت لأبي مساء اليوم الثالث وعلى فمي بقايا دم من ضفدعة. صدّقني وسمح عني. في مثل هذه الأجواء الغريبة جدًا ولدت في مغارة وعشت بين أبوين مشاعرهما بازيلتية. ولذلك وجد الشعر فرصته عندي (يبدو أنه كلما كثر الألم استيقظ الشعر) فدرّب خيالي على الشجاعة ، وعلّمني كيف أفضح نوايا اللغة وأحرج حياءها وبلادتها بإيقاعات نايٍ ندم على مغادرته حقل القصب بجانب النهر الحزين .
كتاب رشدونيوس هو مرآة ذاتي التي تعيش اللامبالاة باهتمام عظيم.
كنت في العاشرة عضني كلب غبيّ مستهتر، فجئت أبي أبكي. نهرني أبي وأقسم ألا أدخل البيت إلا إذا عضضت الكلب مثلما عضني
- ما الذي تغير في المشهد الثقافي العربي عموما والأردني خاصة.. كيف تراه اليوم؟
– تمامًا مثلما يحصل للعاصفة المطرية من أسباب تكوّنها يحصل لشعريتي، لا يوجد قصدية أبدًا ولا تخطيط مسْبق، إنما هي موارد الحدس وسبحات المخيال. أدخل في غيبوبة منتشية وتتراقص الحرية أمامي بنصف العري حتى تصيبني بالغواية ،فأتشاهق وأندلق على الورقة. أنا لا أكتب قصيدة على الهاتف أو الحاسوب مباشرة، إنما أكتبها بالقلم حتى أسمح لكهرباء أعصابي بالسريان في أصابعي لتصل فؤاد الكلمة. في القصيدة أعيد إنتاج معنى آخر لذبابة الحلم حين تعجز عن التفريق بين الدمعة وقطرة الندى.
بالنسبة للمشهد الثقافي الأردني ثمة نزوع ملحوظ نحو الرواية، وألاحظ زيادة المنتديات الثقافية والاتجاه نحو النصوص المفتوحة، ووفرة الإصدارات الأدبية بالإضافة إلى ما تقوم به وزارة الثقافة من تغذية متواصلة.
ثمة نزوع ملحوظ نحو الرواية في المشهد الأردني
- أكثر من أربعين عاماً كتابة.. كيف تصف البدايات وأين أصبحت الأحلام؟ .. أين أنت اليوم من راشد عيسى في بداياته؟
– نعم أربعون عامًا من الكتابة… وأنا خياط لقماش الكلمات وأزياء المعاني، أطارد الأفكار النزقة في الشعر والرواية والنقد الأدبي.. اللغة جوهر حياتي الشخصية وليست جزءًا من الحياة.. يا هاني أنا ألعب بالكلمات وأجنّنها، نتبادل الأخاديع والمراوغات.. كل منا يضحك على الآخر بمحبة ورضا. غير أني أركب قاربًا بدائيًا للأدب بمجذافين وشراع صغير، ولا أحب البواخر ولا الأحلام الكبيرة.. أتسلى بمراوغة المجاز وأخاتيل الاستعارة ولا أطيق الحقائق. فسأظل بريًّا عابرًا مثل ظل الذئب، فأنا منسجم مع مقولة مولاي جلال الدين الرومي [الكون معمور بالوهم]. شكرا صديقي.