د.موسى برهومة: الصحافة الكلاسيكية انتهت.. والتحوّلات قاسية

15 يونيو 2023

حاوره هاني نديم

يقف د.موسى برهومة على مسيرة جاوزت الثلاثين عاماً من العمل الصحفي والفكري والأدبي، فهو أول خريج فلسفة في الجامعة الأردنية بعمّان، كما أنه درس الأدب العربي والصحافة حيث يدرّسها في الجامعة الأمريكية بدبي اليوم.

تزاملنا أنا وموسى برهومة الذي كنت معجباً بسيرته قبل معرفته، فأصبحت بعد زمالتنا معجباً به ومحباً له، لما يملك من مهنية وطاقات إنسانية تنعكس على المكان. 

إنه أحد أساطين الصحافة العربية واسمٌ أتبعه وأصدقه دوماً لأنني أعرف بدقة بأي أدوات يشتغل د.موسى. 

التقتيه في هذا الحوار:

  • موسى، تغيرت بنيوية الصحافة برمتها في السنوات الأخيرة، برأيكم ما أهم ما اكتسبت وما فقدت، ما رأيكم بما يجري اليوم مقارنة بالصحافة الكلاسيكية التي نعرفها؟
– الصحافة الكلاسيكية انتهت، أو هي في طريقها إلى الأفول، لأنّ عصر “السوشيال ميديا” اجتاحها، وصار لزاماً على هذه الصحافة أن تتعامل بأدوات الإعلام الرقمي واشتراطاته وإكراهاته، إذا أرادت البقاء والمنافسة.
الصحافة كسبت قدرتها على الانخراط في التحولات الرقمية بشكل سلس أحياناً وعسير في أحيان أخرى. التحولات كانت قاسية على الجيل الذي لم يقوَ على الدخول في العالم الإعلامي الجديد، وظل معلّقاً بالماضي الذي مضى وانقضى، فخرج هؤلاء من الساحة، بسبب “أميّتهم الرقمية”!

أما ما فقدته الصحافة، في هذه التحولات الإجبارية، فهو كثير وقاسٍ. لقد خسرت جزءاً كبيراً من المصداقية، بسبب “تسونامي” الأخبار المفبركة. وفقدت متعة “السبق الصحفي” الذي كانت تتباهى به الصحف. وفي سياق متصل بالأنسنة، خسرت الصحافة لذة قراءة الجريدة برفقة فنجان القهوة الصباحي، وخسر العاملون في الصحافة “بهجة السواد” على أكفهم الآتي من الحبر الذي لم يجف بعد، والذي أسميه “حبر اللهفة”.

  •  بين الأدب والصحافة علاقة شائكة ومشتبكة، كيف ترى تلك العلاقة بين الصناعتين وكيف نوازن بينهما فلا تأكل إحداهما الأخرى؟

– الذي جاء إلى الأدب من حقل الصحافة هو أسعد الساردين، وأكثر القابضين على المعنى بمفهومه العملي، لأنّ الصحافة تسيّل الأفكار، وتلهث وراء الأحداث، وتتقشف في التعبير البلاغي عن الأفكار.
أما الأدب فيحتاج إلى ما هو أبعد من ذلك؛ إلى التأمل، وإلى تقليب المعاني على وجوهها المختلفة. الأدب يحتاج إلى خُلوة، حتى لو كانت في مقهى مكتظ بالضجيج. الأدب يلزمه الصبر، يلزمه الشطب، يلزمه “الهستيريا” التي تفتك بالكلمات.
الصحافة قطار سريع لا يتوقف. أما الأدب فاسترخاء مفخّخ في واحة القلق المعذِّبة.

فقدت الصحافة متعة “السبق الصحفي” الذي كانت تتباهى به الصحف. وفي سياق متصل بالأنسنة، خسرت الصحافة لذة قراءة الجريدة برفقة فنجان القهوة الصباحي
  • ما رأيكم بالرواية الأردنية اليوم والعربية بشكل عام، وما رأيكم بالجوائز العربية التي خصصت لها، سلبا وإيجابا

– الرواية العربية اليوم تشهد زخماً كمياً ونوعياً، كما تشهد دخول كثيرين إلى حقلها، وهذا ليس مثلبة مطلقة. دع الكاتبات والكتّاب يجرّبون في هذا الحقل الأشد فتنة من بين صنوف الأدب كافة.
الأرقام الآتية من مبيعات معارض الكتب العربية تقول إنّ الرواية صارت تنافس الكتب الدينية. هذا معناه أنّ ثمة قرّاء لهذا الجنس الأدبي الذي غذته وساهمت في ذيوعه الجوائز الأدبية التي ينازع المثقفون في مدى أهليتها وكفاءة لجان تحكيمها وانحيازاتهم، وهو ما يقال عن جائزة نوبل كذلك!


أما بالنسبة للرواية في الأردن، فإنها ما تزال تجود بمواهب جديدة ومبهرة، تنبني على منجز الروّاد الذين رافقوا تبلور هذا الفن بشكله الناضج منذ ستينيات القرن الماضي.
وإن شاء لي أن أقدم (نصيحة) لزميلاتي الكاتبات والكتّاب، فهي أن يجربوا حظهم في كتابة هذا الفن البديع، وألا يستسلموا للمخاوف والقلق من ردة فعل النقاد. المهم أن تكون مستوفية شروط المهارة اللغوية والتعبيرية، وأن يكون فيها سبر للذاكرة، وكشط لطبقات التابو الملتصق بجِلد الكتابة وذهنية صانع النص.
الرواية فنٌّ فتّان، ومن لم تُجرّب/ يُجرّب الانصهار في أتونه، فقد خسر متعةً لا تُضاهى.

قد يعجبك ايضا