ذكرى 7 اكتوبر..جرحى،أيتام، وقلوب منكسرة: كيف تغيّرت حياة أشخاص؟

عبد الله يدخل سن المراهقة كيتيم، وكريستينا وعبد الرحمن يأملان ببساطة في أن يتمكنوا من المشي يوماً.
نص خبر- متابعة
من غزة، لبنان والضفة الغربية، يروي كل منهم لبي بي سي كيف تغيرت حياته في أعقاب احداث 7 أكتوبر.

مر عام منذ أن اقتحم مسلحو حماس مناطق الاحتلال الإسرائيلي، مما أسفر عن مقتل حوالي 1,200 شخص وأخذ 251 رهينة، وأطلق الاحتلال الإسرائيلي عملية جوية وبرية واسعة النطاق في غزة، قُتل فيها أكثر من 41,000 شخص، وفقًا لوزارة الصحة في غزة.

 

عبد الله كان على أعتاب عامه الثالث عشر عندما شنت حماس هجماتها على إسرائيل في 7 أكتوبر. حتى ذلك الوقت، كانت حياته في حي التوام شمال غزة مزيجا من المدرسة، ولعب كرة القدم مع الأصدقاء، والرحلات إلى الشاطئ، والاستمتاع مع والديه وأخيه وشقيقتيه.

لو استشهدت لكان أفضل

في اليوم السابق لعيد ميلاده، ألقى جيش الاحتلال الإسرائيلي منشورات في المنطقة تأمر السكان بالفرار جنوبا.

أسرعت العائلة بحزم الضروريات وانطلقت في طريق صلاح الدين، الذي اعتبرته القوات الإسرائيلية “مساراً آمناً للإجلاء”.
وبينما كانوا يسيرون على الطريق بسرعة، يقول عبد الله إن ضربة جوية إسرائيلية قصفت سيارتهم.

يسترجع عبد الله: “أنا وأخي أحمد قذفنا في الهواء، خارج السيارة”.

كان عمر أحمد 16 عاما في ذلك الوقت. اضطر الأطباء لبتر إحدى ساقيه، والأخرى مدعومة الآن بألواح معدنية.

أصيب عبد الله بشظايا في ذراعه ورأسه وظهره وفمه، يرفع قميصه فتظهر ندبتين طويلتين في بطنه.

أخبره الأقارب أنه عُثر على جثث والده ووالدته وعمه لاحقا وكانت محترقة.

عبد الله وأسرته وشهود آخرون على الحادثة أخبروا BBC أن صاروخًا أُطلق من طائرة مسيرة على سيارتهم.

ينفي جيش الاحتلال الإسرائيلي الادعاءات بأنه ضرب قافلة من المدنيين في ذلك اليوم، واصفًا هذه الادعاءات بالـ”مزاعم كاذبة”.

وقال متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي BBC: “بعد فحص دقيق، لا يوجد أي دليل يظهر أن الجيش الإسرائيلي نفذ ضربة في ذلك الموقع
يتذكر عبد الله كيف تجنب موظفو المستشفى الإجابة عن أسئلته المتعلقة بوالديه. وعندما أخبره ابن عمه وجدته في النهاية بالحقيقة، كانت ردة فعله: “كنت أشعر بذلك منذ البداية”، مضيفاً “لو استشهدت، لكان ذلك أفضل مما أعيشه الآن”.

ينظر إلى التجويف في ذراعه اليسرى قائلاً: “أشعر أن ذراعي مبتورة بالفعل. حاولوا إصلاحها، لكن كل ذلك كان بلا جدوى”. ألم عبدالله لا يتوقف.

يعيش عبد الله الآن مع جدته في خان يونس جنوب غزة، برفقة شقيقتيه، منى البالغة من العمر 18 عاما، وهالة التي تبلغ 11 عاما. في اليوم الذي قُتل فيه والديهم، كانت الفتاتان لا تزالان في شمال غزة، إذ لم يكن هناك متسع في المركبة لهما. أما أحمد، شقيقهم، فلا يزال يتلقى العلاج في قطر.

“الضحكات والأوقات الجميلة ولّت منذ أن فقدنا أمنا وأبانا وعمنا”، يقول عبدالله. “كانوا هم مصدر السعادة لكل العائلة، ولم نعد نعيش حقًا بدونهم”.

“كنا نذهب إلى المدرسة، نلعب ونضحك”، يتذكر. “كانت غزة جميلة، لكن كل شيء انتهى”.

ويضيف أنه فقد الاتصال ببعض أصدقائه، بينما قُتل آخرون في الحرب.

يختتم عبد الله برسالة موجهة للاحتلال الإسرائيلي: “هذه رسالتي لإسرائيل. هذا ما فعلتموه بي، بنا. أخذتم والديّ. أخذتم تعليمي. أخذتم كل شيء مني.”

“شعرتُ  غريبة لأنني فقدتُ ساقاً واحدة فقط”
“كنت أعرف عن نفسي كمصورة صحفية. اليوم، أقول إنني ناجية من جريمة حرب”، تقول كريستينا عاصي.

انتهزت كريستينا الفرصة للعودة إلى بلدها لبنان لتغطية الاشتباكات على الحدود الجنوبية كمصورة صحفية لوكالة الأنباء العالمية (فرانس برس).

في أعقاب هجمات 7 أكتوبر، بدأ حزب الله اللبناني بإطلاق الصواريخ على الكيان الإسرائيلي، “إسناداً لغزة”، كما قال، مما أشعل تبادلات عبر الحدود تصاعدت إلى صراع واسع النطاق.

في 13 أكتوبر من العام الماضي، توجهت كريستينا ومجموعة من الصحفيين إلى قرية في جنوب لبنان، تبعد حوالي كيلومتر واحد عن الحدود مع الكيان، حيث كانت الاشتباكات تدور هناك.

تقول كريستينا، البالغة من العمر 29 عامًا، إن الفرق الصحفية كانت ترتدي سترات وخوذات، وكانت سيارتهم تحمل علامة “تلفزيون” مكتوبة بشريط أصفر على غطاء المحرك، مما جعلها وتعتقد أنها ستكون بأمان.

فجأة، بدأ إطلاق النار. وكل ما تذكره كريستينا من تلك اللحظة هو أنها كانت تحاول الهرب من سيارة مجاورة لها اشتعلت فيها النيران. كانت مثقلة بسترة واقية من الرصاص وكاميرتها، فلم تكن حركتها سهلة، “رأيت أن ساقيّ كانتا تنزفان بشدة، ولم أستطع الوقوف”.
بعد اثني عشر يومًا، استيقظت كريستينا في المستشفى. تقول: “شعرت بنوع من الراحة الغريبة عندما اكتشفت أنني فقدت ساقًا واحدة فقط، وليس اثنتين.”

أودى الهجوم بحياة الصحفي في رويترز عصام عبدالله، البالغ من العمر 37 عامًا، وأصاب ستة آخرين. “عندما سألتني ممرضة من الذي قُتل، بحثت بجنون عن اسمه على الإنترنت. لم أصدق العناوين”، تقول كريستينا.

أفاد تحقيق أجرته قوات الأمم المتحدة في لبنان بأن الاحتلال الإسرائيلي أطلق قذيفتين عيار 120 ملم على مجموعة “صحفيين يمكن التعرف عليهم بوضوح”، في انتهاك للقانون الدولي. وذكرت جماعات حقوقية أنه يجب التحقيق في الضربة كجريمة حرب محتملة.

قال جيش الاحتلال الإسرائيلي BBC إن جنوده اشتبهوا في حدوث “تسلل إرهابي” إلى الأراضي الإسرائيلية في ذلك الوقت واستخدموا نيران الدبابات والمدفعية لمنع ذلك. وأضاف أن الحادث قيد المراجعة.

الآن، وبعد مرور عام، لا تزال كريستينا تحاول التعايش مع واقعها الجديد.

تقول إنها تشعر بالغضب والإحباط مما حدث لها: “فقدت الثقة في كل شيء – في المجتمع الدولي وفي القوانين التي كنت أؤمن بأنها ستحميني كصحفية.”

كريستينا لا تزال تتلقى العلاج، لكنها لم تتمكن بعد من المشي.

في يوليو/تموز الماضي، حملت الشعلة الأولمبية على كرسي متحرك، مع زملاء لها من وكالة الأنباء الفرنسية (AFP)، تكريمًا للصحفيين الذين أصيبوا أو قتلوا حول العالم.

وعلى الرغم مما حدث لها في 13 أكتوبر، تأمل كريستينا في العودة إلى الميدان، تقول: “يوم أتمكن من الوقوف والمشي وحمل كاميرتي والعودة إلى عملي والأشياء التي أحبها، سيكون هو اليوم الذي سأنتصر فيه.”

“بدأت أصرخ، لكنه لم يستجب”


لا يزال عبد الرحمن في المستشفى منذ الضربة التي حدثت في 1 سبتمبر/أيلول
في ليلة 1 سبتمبر، يقول عبد الرحمن الأشقر إنه وصديقه ليث شواهنة كانا يتجولان في الشارع، ويدخنان السجائر بعد يوم طويل قضياه في بيع الذرة.

“فجأة، قُصفنا. هكذا فقط”، يتذكر عبد الرحمن، البالغ من العمر 18 عاما.

تعرض المراهقان لضربة من طائرة إسرائيلية في السيلة الحارثية، وهي قرية في الضفة الغربية المحتلة.

يتذكر عبد الرحمن صوت الصاروخ: “لم أتمكن التقدم إلا خطوة واحدة. بدأت أصرخ إلى ليث، لكنه لم يستجب”.

قُتل ليث، البالغ من العمر 16 عامًا، بينما أصيب عبد الرحمن إصابة بالغة، حيث احتاجت كلتا ساقيه إلى البتر من أسفل الركبة.

يقول عبد الرحمن إنه استيقظ بعد 10 أيام من الضربة، وأخبره الأطباء أن قلبه توقف ثلاث مرات.

لا يزال في المستشفى، ويعاني إصابات كثيرة: تم تركيب ألواح معدنية في إحدى يديه، وتعرض إصبعان من يده لضرر كبير، كما تطلب بطنه عمليات جراحية عدة. “الألم في الجسد لا يتوقف”، يقول عبد الرحمن.

شهدت الضفة الغربية زيادة في العنف منذ 7 أكتوبر. قُتل مئات الفلسطينيين في غارات يقول جيش الاحتلال الإسرائيلي إنها تهدف إلى وقف الهجمات القاتلة هناك وفي إسرائيل.
قبل الضربة، كان عبد الرحمن يعيش حياة مليئة بالروتينات البسيطة. يبدأ يومه بالصلاة، يتناول الفطور مع أصدقائه، ويساعد بعدها والده في الأعمال اليومية وبيع الذرة.

أما الآن، فهو يعتمد على شقيقه لمساعدته في المهام الأساسية مثل الذهاب إلى الحمام، ووالدته تهتم بإطعامه.

تواصلت بي بي سي مع جيش الكيان الإسرائيلي للحصول على تعليق. في وقت الهجوم، قال الجيش إن طائرة استهدفت “خلية” بعد أن رصدت أنها كانت تلقي قنابل على القوات التي تعمل في منطقة جنين التابعة للواء منشيه.

عندما سُئل عما إذا كان مسلحًا أو يحمل أي نوع من الأسلحة، أجاب: “مسلح كيف؟ كنت فقط أغادر المنزل. أمشي بشكل طبيعي في الشارع وأرتدي اللون الأبيض. كنت فقط أخرج.”

لطالما حلم عبد الرحمن برخصة قيادة وسيارة، “أما اليوم، فكل ما أتمناه هو أن أتمكن من المشي مجددا”.

قد يعجبك ايضا