رائد أنيس الجشي: الحداثة ماتت قبل أن أخلق!

28 يونيو 2023

حاوره: هاني نديم

منذ سنوات طوال، يعمل الشاعر والمترجم السعودي رائد أنيس الجشي على مدّ الجسور بين العرب والغرب من خلال مشاركاته ومترجماته والحراك الثقافي المتبادل بين لغات عدة، وهذا بالضبط ما أحبه في الشعراء وما أسميه معاصرة، حيث ما زلنا شبه غائبين عن خريطة الأدب العالمي لولا مثل تلك الحالات الفردية التي تعمل أفضل من المؤسسات. 

رائد أنيس الجشي شاعر ومترجم سعودي، حاصل على زمالة فخرية في الكتابة من جامعة أيوا الأمريكية، ومحرر دولي في مجلة (حوارات معاصرة) بمقدونيا الشمالية، شارك في تحكيم جوائز شعر محلية عربية ودولية وصدر له أكثر من عشرين كتاباً تُرجم بعضها الى عدة لغات وحصد العديد من الجوائز المقدرة دوليا.

التقيته عن هواجس التواصل العالمي هذا وعن تجربته الخاصة في هذه الدردشة:

  • احتكاك القريب من الشعر العالمي والأوروبي، يدفعني لسؤالك عن مساحة الشعر العربي هناك، كيف ترى وجودنا الشعري في الغرب؟
-لاحظت احتفاء كبيرا بالشعر العربي وخصوصا ما يتعلق بالقضية الفلسطينية أو صراع الاغتراب والأقليات في الأمريكيتين وخصوصا كولومبيا، وهناك احتفاء كبير برموز الشعر العربي وبالشعر نفسه من خلال تكريمهم وترجمة أعمالهم في الاحتفالات الشعرية الدورية إضافة إلى ترجمة الكثير من الشعر العربي إلى لغاتهم وخصوصا الإسبانية.
نعم الشعراء العرب المترجمة أعمالهم إلى الإنجليزية حظهم في الانتشار أكبر بسبب كثرة المترجمين من الإنجليزية إلى الأوربية، ولا يختلف الموضوع في أوروبا كثير فالشعر الجيد وخصوصا ذلك الذي يحمل مكملات معرفية تستدعي الشرق بمحليته أو أساطيره ويقدم صورا مكثفة يجد اهتماما أكبر.
لا علاقة لي بالحداثة لأنني أعتقد أنها ماتت واقعا قبل ستين عاما!
  •  رغم أنك تكتب الموزون عموماً، علاقتك بالحداثة والعالمية أوثق، هذا ينفي تهمة الشكل ومعوقاته، بم تحدثني عن تلك التجربة؟
– نعم لعلي عصي على النثر حتى حين أكتبه وأجد أن القالب أي قالب كان ليس له أثر على النتاج ما لم يغير صاحب النص ما بنفسه من فكر ورؤية وأنساق متوارثة، ولذلك قد لا يقبل مترجم محترم بترجمة نص نثري يطلق عليه صاحبه قصيدة نثر لكنه يحمل فكرا وطرق تشبيه وعملية تواصل عمودية بحتة، وهذه القصائد نسميها قصائد النثر العمودية! فضلا عن الخواطر الاعتيادية لن تجد لها مترجما جيدا لأنها لا تقدم عند ترجمتها شيئا مغايرا بينما قد تترجم قصيدة عمودية.- ورأيت الكثير من ذلك – لأنها تحمل فكرا تفعيليا أو رؤية قصيدة نثر، بحيث تبتعد عن الإطار العمودي في الخطاب بين الأول والأخير والقوي قبال الضعيف إلى التجربة الذاتية الأفقية مع الآخر
الشيء الآخر إن ترجمة الشعر الموزون الأنجع هي ترجمة نثرية في النهاية فالعربي الموزون سيصبح نثرا أجنبيا غالبا محتفظا بالإيقاع الداخلي لا الخارجي، خصوصا بين اللغات التي يختلف نظام ميزانها الشعري مثل العربية والإنجليزية، بينما يسهل المحافظة على وزن الشعر الفارسي عربيا والعكس اثناء الترجمة لتشابه نظام الإيقاع.
أحب أن أوضح أن لا علاقة لي بالحداثة لأنني أعتقد أنها ماتت واقعا قبل ستين عاما! أي قبل ان أخلق وما الصراع على الحداثة عند العرب أو في العالم إلا وهم .. نحن نكتب عربيا في ما بعد بعد الحداثة وكذلك الشعراء المعاصرون أغلبهم.. لقد تجاوز العرب حدود (الآني واللحظي والانقطاع عن الأساطير والآثار الدينية) بل هناك من يعمل منذ مجلة شعر على تحديث الأصول والأساطير وأمهات الكتب العربية القديمة مثل أدونيس وكل من تأثر ويتأثر به وان جاو له تسميتها حداثة أصولية وهذا يولد لدي أسئلة عن ماهية الحداثة التي أظنها ميتة، والحداثة التي يتعارك عليها بعض مثقفي الوسط الثقافي
المشهد السعودي في محاولة جادة لعدم الرد على عنصرية بعض المثقفين بعنصرية مضادة مهما كانت الآراء وهو ما يحترم ويقدّر
بالنسبة لي نصوصي الإنجليزية هي من عرفت بشعري العربي عام 2014 أصدرت كتابا صغيرا جمعت به ما كتبته بالإنجليزية مع بعض أفكار مترجمة بدون أمانة من أفكار كانت لي في نصوصي العربية، وبعد عام أختيرت نصوص من المجموعة الإنجليزية من قبل جامعة أيوا لتكون ضمن منهج الأدب الحديث في الجامعة بترشيح من جهات ثقافية لا أعرفها في الحقيقة.. بعدها طلبت الجامعة نتاجي العربي وحين وصلت إلى أمريكا ضيفا على الجامعة قرروا اعتماد أحد كتبي الشعرية العربية ليكون أحد خيارات الترجمة لطلاب الماجستير العرب.. ثم نشرت الجامعة في موقعها ومواقع خاصة بالأدب بعض هذه النصوص وما يزال هذا الموقع لحد هذا العام سبب في تواصل المترجمين من لغات أخرى معي، وبالتالي فالمكان الذي نشرت به الأعمال خدمها كثيرا ولله الحمد وكانت فاتحة تواصل أعمق.
ولذلك عندما كتبت كتابي الانجليزي الأخير Clay Tablets in Nietzsche’s Cave كان لدي قاعدة كبيرة من المترجمين والمهتمين الذين نشروا الأعمال في الدوريات والصحف وشاركوا في المسابقات وفازوا فيها، فكان انتشاره وانتقاله إلى اللغات المختلفة يسيرا جدا كما أن فوز الكتاب بأي مسابقة يجعل مترجما آخر متحمسا لطلب ترجمة الكتاب. وهذا ما حدث معي.
  • كيف تقرأ المشهد الشعري السعودي اليوم، وكيف تقرأ علاقته بمحيطه العربي؟

– هناك شعراء سعوديون مميزون لم يسلط عليهم الضوء! فنياتهم تستحق القراءة والدراسة والنشر والترجمة ولكنني أصنفهم شعراء عرب، حيث غابت المدارس في العصر الحديث؛ عدا عند الشعراء المتمسكين بالراية النظمية والوفاء للميثاق الحزبي أو الديني.

وفي العهد الحالي بالسعودية هناك انفتاح كبير على الثقافات الأخرى والتحاور معها مع انتقائية في تسليط الضوء على المفيد والمشترك و تجنب نقاط الخلاف الكبرى، على سبيل المثال من الممكن أن يستضاف أديب دون معوقات دينية أو مذهبية أو عقدية أو اجتماعية ويتقبله المجتمع ما دام يتحدث في مجال اختصاصه وما دعي من أجله. وهذا التوازن من الضبط والحرية يجعل المشهد خصبا وثرياً وواعداً.

أتمنى أن يتخلص المشهد السعودي والعربي من رواسب المعيقات غير الأدبية وتقوقع الأنا المعمي، لا مراكز ولا أطراف ولا انتماءات ولا جنسيات يجب أن تعيق الثراء والتنوع الأدبي في العالم العربي ليجعلوا أعينهم تتسع للكرة الأرضية والكون بدلا من أن تضيق بدولة وحي وقرية ومذهب وقبيلة. أعتقد أن الشعراء هم أقدر الناس على علاج هذه الأمراض المجتمعية من غيرهم باحترامهم لذواتهم وذوات الآخرين وما نشهده حاليا في المشهد السعودي هو في رأيي محاولة جادة لعدم الرد على عنصرية بعض المثقفين بعنصرية مضادة مهما كانت الآراء،  وهي نقطة أحترمها مع أمنياتي بأن تخلق موازنة تلغي أي تعصب أو عنصرية لغير جودة المحتوى والفكر الأدبي

 

قد يعجبك ايضا