2 يوليو 2023
نص خبر – مكتب القاهرة
رحل عن عالمنا أمس السبت الأول من يوليو 2023 صاحب المهمة الربانية- كما كانوا يطلقون عليه أو كما كان يقول – العم عبد الحميد آخر سقا في مصر، مما أثار حالة من الحزن عبر منصات ومواقع التواصل الاجتماعي في مصر.
ولد العم عبد الحميد عام 1950 بأسيوط ولديه 7 أبناء، وورث مهنته عن جده الذي اختاره بالتحديد ليورّثها له.
ورغم أن والده رفض في البداية عمله سقا إلا أنه أصر على رأيه
.
وفي شبابه صنع العم عبدالحميد قربته من جلد الماعز معلّللًا ذلك بأن له قدرة هائلة على حفظ المياه باردة لأطول فترة ممكنة.
وأشار العم عبد الحميد مرارًا إلى أنه لا يستطيع الاستغناء عن هذه المهمة الربانية حيث يقوم فيها على سقيا عباد الله دون مقابل مادي.
وقال: “نحن قوم لا نطلب ولا نرفض مثل صندوق ماء مجاني بجوار ثلاجة خاصة، إذا أخذ منها الشخص بدون مقابل فلا بأس، وإن ترك فهذا خير وبركة، لكننا لا نطالبه بشيء أبدا .. فلساني أخرس في هذا ويدي مقطوعة عن الطلب مثل أجدادي”.
ويستيقظ العم عبدالحميد من الفجر ليصلي ثم يملأ قربة ويضع عليها ماء الورد، ويتجول ليسقي الناس.
وظهر عم عبد الحميد في العديد من اللقاءات الصحفية والتلفزيونية، حيث يشتهر بجلبابه الأخضر وقربة الماء ومدحه الدائم للنبي عليه أفضل الصلاة والسلام.
وأثار خبر وفاته حزن رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين دعوا له بالرحمة، وذكروا عنه كل جميل، ليرحل وتنتهي معه مهنة السقا حيث كان اشتهر العم عبدالحميد بآخر سقا في مصر .
تعد مهنة “السقا” واحدة من أشهر المهن المصرية القديمة، وكانت أحد المهن الخدمية التى تهم الناس، وظلت مرتبطة ومتواجدة حتى نهاية مطلع القرن العشرين وبالتحديد بدأت تختفى تدريجيا منذ عام 1865، حيث أنشأت شركة المياه وبدأت في إنشاء آلات الضخ وأنابيب للمياه توزع المياه داخل مدينة القاهرة، ولكن السقا لم ينته نهائيا، فكان هناك أكثر من 68 منطقة عشوائية حول القاهرة لا تصل إليها المياه النظيفة، وبذلك يكون هناك ضرورة لوجود هذه المهنة لكي ينقل المياه إلى هذه المناطق .
ووفقا لدراسة نشرت فى مجلة “العربية” الثقافية، عدد أكتوبر 2011، تمركز السقاؤون بالقاهرة القديمة، في حي يسمى (باب البحر)، وهو يقع بجانب باب زويلة، وسمي بهذا الاسم عندما قام السلطان صلاح الدين الأيوبي بتشييد باب يطل على النيل سنة (569هـ/1174م) في نهاية السور الشمالي الغربي للقاهرة، حيث حرص السقاؤون على التواجد بالقرب من مصادر المياه والمتمثلة في نهر النيل.
وكانت هناك خمس طوائف للسقائين، ولكل منها شيخ طائفة يتولى شؤونها وينظم عملها، منها: طائفتان في باب اللوق، الأولى تقوم بنقل الماء على ظهور الجمال، والثانية تنقل الماء على ظهور الحمير، مع طائفة باب البحر، ثم طائفة حارة السقائين، وطائفة قناطر السباع. وكانت هناك طائفة سادسة تعرف باسم الكيزان، كانوا يطوفون الشوارع والأسواق ويحملون قرب الماء على ظهورهم، ومعهم مجموعة من الكيزان لكي يقدموا المياه للأهالي.
وكان هناك اختبار مبدئي يلزم للمتقدم للعمل في مهنة السقا اجتيازه، لكي يلتحق بطائفة السقايين، ويحصل على رخصة مزاولة المهنة، وهو أن المتقدم لابد أن يحمل قربة وكيساً مليئاً بالرمل يزن حوالي 67 رطلاً لمدة ثلاثة أيام وثلاثة ليالي، دون أن يسمح له بالاتكاء أو الجلوس أو النوم.
كما كان يلزم أن يتصف السقا ببعض المواصفات، أهمها: أن يكون أميناً، وحريصاً على عدم تلوث المياه أثناء نقلها من النيل إلى المنازل وأسبلة الشرب العامة، وأن تكون القربة غير مصبوغة لكي لا تتلوث المياه باللون، ولا تكون بها أي ثقوب تنقص من كمية المياه.