20 يوليو 2023
“نص خبر”- بيروت
شهد الأسبوع الحالي أكثر من عملية اقتحام لمصارف في لبنان، من قبل موعين طالبوا بودائعهم، ومعظمهم حصل عليها.
أحدهم اصطحب معه ابنه ذو الثالثة عشر، وآخر هدد بإحراق نفسه بالبنزين، بعضهم تجاوزت قيمة وديعته العشرين ألف دولار، والبعض الآخر لم تتعدّ الخمسة آلاف. ما يدفع إلى السؤال لماذا اليوم؟ لماذا لم يتحرّك هؤلاء قبل ثلاث سنوات ونصف منذ أن حجزت المصارف أموالهم؟ لماذا يهب المودعون فجأة وتتوالى أخبار اقتحام المصارف، ثم ينكفئون بصور مريبة؟ من يحرّك المودعين وهل ثمّة أطراف سياسيّة مستفيدة؟
أيام قليلة وتنتهي ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، العين اليوم على المصارف والمودعين، إلى أن سينتهي شدّ الحبال، وهل نتوقّع المزيد من التأزّم؟
حول هذا الموضوع، يجيب الخبير الاقتصادي البروفيسور بيار الخوري في تصريح خاص لـ”نص خبر”، بأنّ غياب الدّولة هو الذي شجّع عمليّة أخذ المودعين لحقوقهم بيدهم، يقول “الدولة موجودة كي لا يأخذ الناس حقّهم بأيديهم، عندما تغيب الدّولة يعود الناس إلى أصلهم الغريزي، كلٌ يأخذ حقه بيده. الدولة وُجدت لتكون الحاكم العادل بين الناس، من خلال حكم القضاء وحكم القانون”.
يتابع “خلال السنوات الثلاثة الماضية، غابت الدولة بشكلٍ متعمّد عن ممارسة أدوارها الطبيعية، ما أعاد الناس إلى فكرة الدفاع عن أنفسهم وأن يأخذ كل منهم حقّه بيده. بالنّسبة إلى المودعين ومهاجمتهم المصارف بهذه الطريقة وتهديدهم بإحراق أنفسهم هذه اسمها ردود فعل عنفية على غياب الدولة”.
هل تتدخّل أطراف سياسية لدعم هؤلاء المودعين، يقول “لا شيء مستبعد إذ ثمة صراع سياسي قوي في لبنان حول مستقبل المصارف وحول حوكمة المال، وفي هذا الإطار يصبح ثمة تجاذب وأخذ ورد وربّما تشجيع لبعض هذه الظواهر أو كبت ظواهر أخرى من أجل إثبات موقع سياسي، أو من أجل الخروج إلى مرحلة سياسية واقتصادية أخرى”.
يتابع “واضح أن ثمّة قوى سياسيّة تدعم هذا التوجّه، لكن جذر هذا التوجّه هو غياب الدولة وليس تحريض القوى السياسيّة”
مستقبل المصارف
مع اقتراب نهاية ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ماذا نتوقّع لمستقبل المصارف؟ وهل القطاع المصرفي مقبل على مرحلة انفراج أم أنّ الأزمة ستستمر؟
يقول د. الخوري ” المرحلة المقبلة يفترض بها أن تكون أفضل من هذه المرحلة رغم ما يحيط بها من مخاطر كبيرة، أولاً نحن نتّجه لإلغاء منصّة صيرفة بشكلها الحالي غير المحوكم، وهي كما أطلق عليها البنك الدولي تسمية منصة للمراجحة، أمّنت أرباحاً بقيمة ملياري ونصف المليار دولار للمنتفعين والمستفيدين منها. فهذه أوّل مرحلة للتوفير على الاقتصاد الوطني الكثير من الاستفادة المجانيّة التي لا يقابلها جهد مثلما فعلت منصّة صيرفة على مدى السنتين الماضيتين”.
ويشير د. الخوري إلى أنّنا اليوم متّجهون إلى منصّة أكثر حوكمة ستعمل على تحديد سعر الصرف، بحيث لا يعود ثمّة سوق سوداء وسوق رسمية، يقول “سنذهب باتجاه توحيد سعر الصرف على منصة تستند إلى تقنيات دولية مثل بلومبرغ، وهي التي ستقوم بتسعير سعر صرف الدولار، في بيروت”.
هل سيكون ثمّة احتمال بأن يرتفع سعر صرف الدولار؟
يقول “قد يكون هناك محاولات من قبل المستفيدين من منصّة صيرفة، ليخلقوا ارتفاعاً وهمياً لسعر الصرف للتصويب على فكرة أنه لولا “صيرفة” لكان الدولار وصل إلى مستويات قياسيّة، ليس ثمة ظروف اليوم لارتفاع سعر الصرف في ظل عرض الدولار الكثيف في بيروت، بسبب موسم الصيف والمغتربين والمصطافين وأسباب عدة أخرى منها أنّ لبنان مفتوح اليوم على سوق المال”.
ويتابع “إذا أخذنا في الاعتبار اليوم أنّ حجم الكتلة النقدية في بيروت لا يتجاوز حجمه المليار دولار، يصبح من الصّعب أن يكون ثمّة قوى دافعة اقتصادية لارتفاع سعر صرف الدولار في المرحلة المقبلة، في أخر شهر سبتمبر قد يكون لنا كلام آخر حسب ما سيستجد من إجراءات بعد رحيل حاكم مصرف لبنان، وكيف سيحوكم قطاع المال وهل سنذهب إلى إعادة هيكلة قطاع المصارف أم ستستمر هذه الأخيرة في قضم ودائع المودعين، كلها أسئلة لا يمكننا الإجابة عنها حالياً لكن المؤكد أن رحيل سلامة وإيجاد منصّة أكثر حوكمة هو في صالح الاقتصاد اللبناني”.
المشاركة التالية