رواية “ورثة الصمت” تورثنا سردية رائعة

29 نوفمبر 2023
نص خبر – ومتابعة
صدرت رواية ورثة الصمت للروائية والمخرجة السورية عبير اسبر عن دار هاشيت أنطوان، وهي رواية  تُعنى بالأسئلة الحارقة التي تؤرقنا الآن، تبحث سؤال الهوية وتقدم رؤية متطرفة قليلاً قد لا تعجب كل من يخلط سؤال الهوية بالسؤال الحقوقي، بسؤال الاضطهاد، واستلاب التاريخ والأرض بمعناه الإنساني الشامل، حسب وصف اسبر.
تقول عبير عن الرواية: “رؤيتي تعارض فكرة الهوية “أي نقاءها، نخبويتها، صفاءها” متتبعة خريطة اللغات وكيف بنيت واشتبكت السلالات اللغوية مع السلالات الإنسانية. فمن راقب بانتباه كيف انجدل التاريخ الانساني بشكل لا يمكن فكفكته دون اللجوء لحضور الآخر وذكره، كيف غمسنا أيدينا ولو لغوياً وانهمكنا بصنع جديلة هائلة وأرخيناها فوق كتف حكايتنا، الحكاية الإنسانية، لوجدنا أنه ليس من الجهل وحده، بل من الغباء أيضاً التحدث عن نقاء الهوية. وهذا ما لا نفعله بالطبع لأن هذا الخيار بحاجة لكثير من الشجاعة، وقد اكتشفنا ولا زلنا نكتشف أن التاريخ يصنعه الأغبياء والمتطرفون لا الشجعان.

من أجواء الرواية: 

تحرت نانا لتعلنَ للكون أن لها الكلمةَ الأخيرة، وأن الموت كالحياة حدثٌ تافهٌ أيضاً.عن جسر مرتفع، دون كلمة وداع هوت كطلقة في صدر الماء. تخلصت من ثقل جسدها في مدينة منفية بعيدة، وصلتها كما يصل البشر كل المنافي، منهكين ومفلسين.
في مراهقتها سماها “بيدروس” حبيبها الأول، حفيد الأرمن السوريين، نانا على اسم قطته، ففرضته على من حولها، وكلما توغلت في حياتها أكثر ناسبها إسمها ذاك حتى نسينا ـ نحن عائلتها ـ إسمها الملصق على الورق الحكومي وشهادة الميلاد وبطاقات المعايدة، فمن يريد أن يُدعى بسمة، بينما في استطاعته أن يكون نانا..
تغندرت أختي باسمها الجديد ملقية حضورها السحري على كل الأمكنة، فوق الجبال وعلى السحب، هكذا، كأنها جنية سعيدة زارت عالمنا لتطمئنه أن للخيال دور آخر غير اشتهاء المستحيل. فقد كان لخيالها طعم الأمل، ولإنطلاقها في مجاهل الحياة بلاهة الضحكات الأولى لرضيع، إذ سارت نانا، دون أن تتوه ولو مرة في شوارع أليفة لمدن هندستها كمعماري مجنون، لا يهمه سوى احتلال الفضاء، وملؤه ضجيجاً. لم تبالٍ أختي التي كبرتني بستة أعوام بما وضعته الحياة في طريقها، فلم يكن للدين والمعتقدات، حتى لأبوينا أي يد في تصنيعها، فخُلقت من رغباتها ذاتها، أرادت أن تُبدع ففعلت، أن تُحِب وتُحَب فاصطف عشاقها أطول من حبل في الذاكرة، أحبت أن تتقن الحكي، فتحولت لجدة عتيقة تخبئ كل الحكايات تحت بطانة فستان الأميرة التي كانتها. مرت نانا فوق خيالات حياتنا، وشكلت له “سيلويت” لا يتغير، فأصبحنا نسخاً رمادية لم نتلون، إلّا عندما أمسكت الحلوة فرشاتها ومنحتنا الحياة، أرادت أن تلغمط جدران بيتنا بلوحاتها ففعلت، أرادت أن تستخدم ملابسنا، أيدينا، حدقات أعيننا كشهود على مرورها في الأمكنة ففعلت. أرادت أن تكون لها الكلمة الأخيرة فقالتها وانتحرت.
قد يعجبك ايضا