6 نوفمبر 2023
جوان ملا- دمشق
لحظة ومنعاً لِلَّبْس، إن عنوان هذا المقال هو لاستقطاب القراء وله أسبابه التي ستعرفونها في نهايته، لكن النجمة السورية سلافة معمار لم تكن يوماً خائنة لا لبلدها ولا لمهنتها، فالفنانة الحسناء الشقراء ومنذ أن خطت طريقها في عالم الفن بعد التخرج من المعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق لمعت في صباها لتعلو تدريجياً وتصل للنجومية بهدوء و تأنٍ، فالفن الصادق والحقيقي لا يمكن أن يتقبل المتسلقين، فحتى لو سطع نجمهم لفترة سيمحوهم الزمن، لذا، كانت سلافة من النجمات اللواتي رسمنَ شخوصهنّ بذكاء ولعبَتهنّ باحترافٍ عالٍ كي تكون اسماً ذا أهمية في المستقبل، وهذا ما حصل فعلاً فيما بعد، بعدَ سنوات من تراكم الخبرة.
بين البدايات والنضج
مسيرة سلافة معمار الفنية كانت متنوعة، رغم أنها مُقِلة بالأعمال الكوميدية بشكل واضح باستثناء بعض لوحات بقعة ضوء، فقد لعبت سلافة في البدايات أدواراً بسيطة، هي لم تكن نجمة اللحظات الأولى، رضيت كغيرها من الفنانين السوريين بأن تقدم شخصيات تتناسب مع عمرها وأدواتها حتى تمكنت بالتدريج، وبالعموم فإن فكرة نجوم البالون المنفوخ المفاجئ لم تكون موجودة آنذاك، فإطلالة سلافة عرفناها من مسلسل عيلة خمس نجوم الشهير كضيفة في إحدى حلقاته لتقف أمام سامية الجزائري وأمل عرفة بدور فتاة ألمانية جميلة تستأجر غرفة في منزل أم أحمد بدمشق، وبعدها دخلت إلى عالم كان ياما كان، سلسلة القصص الشهيرة التي قدمَها الأخوان شيخاني ولعب الأدوار وقتها مجموعة فنانين باتوا اليوم أشهر نجوم سوريا منهم تيم حسن، باسل خياط وأيضاً سلافة، ومن ثم تنقلت الفنانة بهدوء بين عدة أعمال مثل الوصية، صراع الزمن، حكاية خريف، ورود في تربة مالحة، ذكريات الزمن القادم، إلى أن بدأت تُعرَف بشكل أكبر بعد أن لعبت أدواراً مساندة مثل دور مها في الجزء الثاني من جميل وهناء، واشتهرت في شخصية نضال بمسلسل أشواك ناعمة الذي حقق نقلة نوعية لها، بالإضافة لشخصية متقنة الصنع مع الليث حجو في مسلسل خلف القضبان، عدا عن مسلسلات أحقاد خفية، الظاهر بيبرس، وأهل الغرام، لتتعامل سلافة خلال سنوات قصيرة مع أهم مخرجي سوريا وهم هشام شربتجي، الليث حجو، رشا شربتجي، وهيثم حقي، فصقلت هذه التجارب والتعاملات من أدواتها كممثلة لتصل إلى العمل الأبرز الذي نقلها كلياً إلى مكان آخر وأصبحت نجمة بمعايير انتشار عربي وذلك عبر مسلسل زمن العار بشخصية بثينة مع المخرجة رشا شربتجي، تلاه فيما بعد شخصية ليلى في مسلسل ما ملكت أيمانكم مع المخرج نجدت أنزور والذي أثار جدلاً واسعاً عام 2010 لتصبح معمار صاحبة انتشار واسع متأني وذكي ناتجاً عن تراكم ناضج استطاعت فيه أن تحقق شهرة كبيرة وتصل لشريحة واسعة من العرب حين كانت الدراما السورية ذات انتشار أوسع قبل الحرب الطاحنة.
سلافة في سنوات الحرب
لم تتوقف سلافة عن العمل في سنوات الحرب كالعديد من الممثلات السوريات، لكنها لم تدخل حيز الدراما المشتركة التي سرقت نجوم سوريا عن الدراما المحلية، وأبقت النجمات السوريات بعيدات عن هذه المنافسة ليسطع نجم فنانات لبنانيات قادمات من عالم الغناء أو الموضة، لكن يمكننا القول إن وجود سلافة في الأعمال السورية كان مؤثراً وذا قيمة أساسية، رغم تراجع الأدوار المهمة ذات الانتشار عامةً نتيجة ضعف النصوص والإنتاج، لكن حاولت معمار أن تكون انتقائية بالفعل، فقدمت عملاً أثيراً مع المخرج الراحل حاتم علي وهو قلم حمرة، لخَّصَ حال سوريا في زمن الحرب، ولمعت بشخصية نعمت في مسلسل خاتون، ثم وصلت وردة شامية فيما بعد مع شكران مرتجى بثنائية مبهرة، وختمت تلك الأدوار المميزة في ظل سنوات خمود نيران الحرب بشخصية الدكتورة سلام بمسلسل مسافة أمان مع المخرج الليث حجو، لذا كانت سلافة تسير على مهل، وبهدوء حذر، استطاعت من خلاله كسبَ قلوب الجمهور تحديداً السوري والمُحِب للدراما السورية ذات القصص الواقعية التي تبرع سلافة وغيرها من الممثلين السورين بتقديمها، لكن منذ عام ٢٠٢٠ فما بعد بدأت خيارات النجمة تنحدر بالتدريج لتختفي مسافة الأمان وتلعب سلافة على الحد في أدوار أشبه بالاقتراب من هاوية السقوط، فالمغامرات لم تعد محسوبة، والسوق كان أقوى منها ومجاراته الاضطرارية أفقدتها من الرصيد الفني الذي كانت تحمله معها بكل هيبة ووقار.
هل خانت سلافة نفسها والجمهور؟
اضطُرَّت سلافة لدخول معترك الدراما المشتركة بعد صبر طويل ومحاولة في الابتعاد، لكن السوق ابتلع الفنانين السوريين واضطُروا للمجاراة حتى لو لم يقتنعوا بالنصوص وذلك من باب الرزق، وحرصاً على الانتشار في زمنٍ غُيِّبَت فيه الدراما السورية، لا سيما الاجتماعية، لذا اختارت سلافة الظهور في مسلسلين من فئة الدراما المشتركة، الأول كان مسلسل عالحد، الذي أظهرَها كامرأة تسعى للانتقام من كل رجل يحاول التحرش بامرأة، فتقتله، وقد كانت خلفية الشخصية النفسية غير مدروسة بعناية، والعمل إخراجياً كان متواضعاً لا سيما أنه تجربة ليال راجحة الأولى في المسلسلات، والنهاية لم تكن مُرضية للكثيرين، إلا أن الجمهور تقبلَ الحكاية على مضض لأنها “سلافة”، والأرشيف في النهاية قد يغفر الزلّات!.
بعدها جاء مسلسل بيروت 303 الذي لعبت فيه دور أم يُختَطَف ابنها وتعاني من صراعات مع زوجها عابد فهد، وفي خضم كل هذا تقع في حب شاب أصغر منها هو معتصم النهار، في قصة حب غير منطقية ولا مفهومة بالأساس، وكانت الشخصية بالعموم سيئة على المستوى الإخراجي وحتى الأداء، فظهرت فيها سلافة مجرد مراهقة تبحث عن الحب في وقتٍ غير مناسب، وتنادي زوجها “عزيز” وهي غاضبة ألف مرة في الحلقة، لتفقد النضج الذي كانت تقدمه في أعمالها السابقة بشكل واضح، وأيضاً الجمهور حاول تقبل القصة على مضض لأنها “سلافة” والأرشيف في النهاية قد يغفر الزلات!.
خصوصاً أنها حاولت تحقيق التوازن بشخصية أم العز التي لعبتها في جزأي المسلسل السوري الشامي حارة القبة مع المخرجة رشا شربتجي، لكن العمل برمّته كان ضعيفاً ومكرراً على مستوى النص بشكل واضح، لا تجديد فيه، ولا أهمية واسعة، ولا قصص ممتعة أصلاً، بل هو خليط من مجموعة أعمال شامية سابقة استمرت على مدار ثلاثة مواسم ولم تنتهِ حتى اليوم، فظهرت زهرة “أم العز” في كل ما حاولت بذله من طاقة، ضعيفة الحضور، إلا في بعض المشاهد، في الوقت الذي كانت سلافة قبلاً سيدة الحكاية من الألف إلى الياء، مع العلم أن المسلسل شاهده الجمهور لوجود سلافة فيه وتعاونها من جديد مع المخرجة رشا شربتجي التي حاولت ضخ الدماء فيه قدر الإمكان، لكن النص لم يساعد البتة، أيضاً حاول الجمهور تقبلَ الشخصية على مضض لأنها “سلافة” والأرشيف في النهاية قد يغفر الزلات!.
تأتي كل هذه التخبطات الأخيرة لسلافة معمار مع ظهورها مؤخراً في تجربة الدراما المعربة التي باتت “موضة” اليوم، عبر مسلسل تحت عنوان “الخائن” يجمعها بقيس الشيخ نجيب، ومرام علي، تسعون حلقة جديدة مليئة بالبطء والاستنساخ لواقعٍ لا يشبهنا كعرب في شيء ولا ندري ما الغاية من إنتاجه أصلاً، لكنه يحقق الانتشار الواسع نتيجة الضخ الإعلامي الهائل له، ووجود نجوم كبار فيه، والمناظر الفخمة من أزياء وموضة وبيوت وقصور، لكن إذا ركزنا على محتوى هذه الأعمال فهي بالعموم فاشلة بشكل كبير على صعيد القصة، ويمكن وصفها بدراما المطبخ أو “فصفصة البزر”، التي تحاول مشاهدتها السيدة أثناء الطبخ كي تتسلى، أو لتضييع الوقت الذي لا فائدة منه، فلا داعي لتحريك الذهن أو الدماغ فيما نراه، وبالعموم ورغم أن غاية الدراما التلفزيونية بالأساس هي قائمة على الترفيه، إلا أن الترفيه ممكن تحقيقه بطرق أوسع وأذكى وأعمق بكثير من الاستنساخ لقصص أجنبية مدبلجَة أصلاً في السابق.
لسنا في صدد مناقشة هذه المسلسلات عموماً، لكن بالعودة إلى سلافة، فقد سرقها عملها المعرب الجديد “الخائن” من الجمهور السوري أو المحب للدراما السورية خصوصاً أنها غابت عن رمضان الماضي بسببه معتذرةً عن أعمال أخرى، فباتت بعين البعض منهم وكأنها تخون كل لحظات الخبز والملح تلك التي عاشوها معها على الشاشة – وعلى مدار ثلاث سنوات – في أعمال وشخصيات ذات قيمة نقشت فيها سلافة على قلوب الناس ببصمة لا تمحى، لتظهر اليوم بشخصية أسيل وهي امرأة متزوجة برجل يخونها وتعرف هي ذلك ليستمر الصراع تسعين حلقة معروفة النهاية مسبقاً خصوصاً أن الحكاية منسوخة من مسلسل كوري، ثم بريطاني ثم تركي، وتمت دبلجته للعربية أيضاً!.
والمتابع لهذه الأعمال يعرف تماماً أن الحوارات وحتى المشاهد وحركات الفنانين يجب أن تكون “نسخ لصق” عن العمل الأصلي، دون ابتكار أو تجديد ليظهر فيه الممثل كالآلة المتحركة، ومساحة إبداعه فيها محدودة وهامش حرية الارتجال مرهون ببعض المشاهد العابرة.
ورغم أنه من المبكر الحديث عن الأداء والعمل ككل، إلا أن التجارب السابقة أظهرت الكوارث التي من الممكن وقوعها، ورغم أنه ومن حق كل فنان ومخرج وكاتب سوري أو عربي أن يدخل مضمار هذه الأعمال ليحقق عامل الانتشار والرزق أيضاً، إلا أن شعور الخيانة من قبل الجمهور الوفي للأعمال القيّمة والأرشيف الذهبي “وهو ليس أي جمهور طبعاً” مستمر منذ مدة، وطبعاً لا يبالي الفنانون بذلك أمام حفنة كبيرة من الدولارات لا يحلمون فيها داخل سوريا في ظل الوضع الراهن، وهذا حقهم الشرعي قطعاً.
محاولة للتوازن
نشرت منصة etsyria خبر انضمام النجمة سلافة معمار لعمل سوري اجتماعي سيتم تصويره قريباً داخل سوريا مع المخرجة رشا شربتجي عن نص للكاتبين المخضرمَين علي وجيه ويامن الحجلي، ورغم أن التفاصيل مازالت مكتومة عن هذا الخبر إلا أن مجرد وجود اسم سلافة وقبولها بعمل اجتماعي داخل سوريا فإن ذلك ينبئ عن فنانة ذكية تحاول العودة لجمهورها عبر السكة الصحيحة التي بدأت بها، ورغم أنه أيضاً من المبكر الحديث عن أهمية الدور والعمل والتفاصيل التي من الممكن أن تظهر للشاشة في هذا المسلسل، لكن الخلطة بحد ذاتها تبشر بالخير كاسم مخرجة، وكاتبَين، وفنانين يجتمعون بسلافة هم محمود نصر، سامر اسماعيل، نادين تحسين بيك، ويامن الحجلي، مع انضمامات أخرى ستأتي بالتدريج على القائمة لنجوم كبار مع شركة بينتالنس للإنتاج.
وهذا على الأقل ما يطلبه محبو الفنانين السوريين وأرشيفهم الطويل، ألا وهو محاولة تحقيق التوازن بين ما يتطلبه السوق الإنتاجي، وبين النوعية التي عودوهم عليها على مدار سنوات طويلة لدرجة أن جيلاً كاملاً شبَّ عليها، ولم يعد يتقبل هذا الانحدار أمامه في كل شيء بدءاً من الواقع المحيط، انتهاءً بالدراما نفسها!
سلافة معمار اسم نجمة سورية يلمع كالذهب، ورغم التخبطات التي ضرَّت اسمها قليلاً في السنوات الأخيرة إلا أن الجمهور دوماً ينتظر منها الأفضل حتى لو خذلته أو “خانته” يوماً، فهي بثينة، ليلى، نعمت، نضال، مجد، عزة، فاطمة، صبحة، وردة، وغيرها العديد من الشخصيات التي لم ولن ينساها الجمهور.