شيءٌ جميلٌ هنا

27 يوليو 2023

رانيا يوسف – كاتبة سورية

شيء حلو هنا كانت الكهرباء مقطوعة، تقريباً مثل كهرباء هذه الأيام، غير أنّ الأيام كانت غير هذي الأيام. الخوف يتسلل.. يرفع اللحاف البارد، ويندسّ بيننا نحن الصغار، يذكرنا كلّما نسينا أنّ في جوف العتم الذي انفجر فجأة، تهيم جنّيات الليل، ستدخل من ثقوب البيبان المغلقة بإحكام، وتسرق صغيراً. ويسكب الخوف في آذاننا ضحك الضباع وعواء بنات آوى، وعويل كلّ الهوام التي لا نعرف أسماءها.

لكن.. أنّى للخوف أن ينتصر، في الأماكن التي يكون فيها كلّ الناس أهلا لكلّ الناس، سيتلاشى، أو يتكور على نفسه كقنفذ أبله. نحن الصغار الذين كبرنا، وألفينا ضباعاً غير هاتيك الضباع، قد شمّت رائحة تفسّخ البلاد، ورائحة الموتى الذين لا يموتون، فأقعت على أذنابها واثقة منتظرة، نحن لازلنا نتأرجح بين عالمين وزمنين، ظلّ التمازج الواهن بين إثنيات وعرقيات شعوب هذه البلا ، بعيداّ جداً عن أن يسمى انصهاراً، كما يليق بالدول الناهضة، وعاجزاً عن الوقوف بوجه الطعنات والاختراقات، لكن فئات لم تفتك بها لوثة الحضارة، ظلّت محافظة على قدر غير قليل من هويتها الأصيلة، وزاخرة بقيم تكاد تندثر، لازال الأهل والضيف في مكانة مقدسة، والمريض مسؤولية الجميع.

أنت أعزل أمام الموت، وجبان أمام المرض لكنك ستصير إنسانا قبل العدم، سمعت قصصا عن أطباء تنازلوا عن أجورهم لفقراء معدمين، عن أصدقاء من كل الطوائف لازموا حتى الرمق الأخير صديقهم الشاب المحكوم بالموت بعد أن استشرى المرض في رئتيه، وتخلّى عنه أقاربه، عن سيدة تبرعت لزوجها بكليتها، بعد أن رفض شقيقه وبالرغم من تطابق الأنسجة أن يتبرع بكليته لأخيه دون صك التنازل عن أرضه التي لا يملك سواها، لكن الزوج مات بعد نجاح العملية، وورثت الزوجة غير نادمة الفقر والمرض.

يتوهج المتعبون كالأقمار على شكل مشاريع إنسانية، تدير بعضها نساء تفرغن للعمل التطوعي، وهم كثر، أعرف أننا غرقى وأن جراحنا تنز تحت الحطام.. لكن أعرف أيضا أنه في يوم قريب، سيطفو الحنان على الوجوه الكالحة، وأن الصغار سيكبرون بلا ذل ولا جوع ولا قهر، ستزيين  الطرقات نفسها للعاشقين، وسنرجع نحن نحن.. الناس الحلوين.

قد يعجبك ايضا