ما من عاشق للموسيقا إلا ويضع أعلى درجات الاحترام والتقدير للموسيقا الغربية الكلاسيكية الملتزمة بكل أوجهها، السيمفونية، الأوبرا، الكونشرتات، وغيرها، ولا بد أن يعجب بآلية تنفيذها إن كانت موسيقا أوركسترالية أو حجرة وغيره، ولكن في حقيقة الأمر هذا لا يعني أبداً الانتقاص من الموسيقا العربية التي لها قراءة مختلفة وأبعاد فكرية مثل غيرها في العالم، بل وتزيد!
وقد أعجب المدونون الموسيقيون الغربيون أيما إعجاب بما نقدم وفسروا سبب ولع العربي بموسيقاه. وذلك أنه جزء أصيل من الموسيقا والتخت العازف بل والمطرب! فعلى الرغم من صرامة المقامات العربية ودقتها وصعوبة عزفها، إلا أن الموسيقا العربية في المجمل هي ارتجالية ذلك أن هنالك خيط تفاعلي بين الجمهور والعازفين والمغنين، فهي في كل مرة موسيقا أولى، أم كلثوم غنت أروح لمين لنقل تسع مرات، في كل مرة هي أغنية جديدة نتعرف عليها أول مرة، إذ يقود استحسان الجمهور الأغنية كل مرة في طريق جديد، وتمتزج صيحات استحسانهم في الجسد الهيكلي للأغنية وتتداخل الإعادة والاستزادة في قيمة المؤلف الموسيقي: “يا عين.. يا سلام.. آه ه”، بل وهنالك من الجمهور من يحدد المقام مرات كثيرة “صبا والنبي.. ع السيكا ربنا يخليك” وهو أمر يرفع سوية الأغنية ويزيد في عدد ذرواتها، عكس الموسيقا الغربية التي ترتبط بالإنصات التام ويستحوذ عليها الصمت المطبق حتى آخر رنّة وتر أو لمسة بيانو.
يقول جيف تيتون صاحب كتاب عوالم من الموسيقا:
إن سماع صوت الجمهور في خلفية الأغاني العربية يمنحنا بعداً مسرحياً وخيالاً محفزاً ويقود أحاسيسنا كل مرة في اتجاه. فقد يؤدي هتافٌ واحدٌ حزين إلى حزن الفرقة كلها، إن الجمهور في الموسيقا العربية هو العازف الأخير.. لكنه الأهم!.