8 سبتمبر 2023
لما مرشد – كاتبة من سوريا
بدأ المطر بالانهمار فجأةً يمحو بهطوله همومهم ودموعهم التي طالما تمنّوا أن ينهمر مطراً كي يبقوا أقوياء أمام بعضهم ففي صراخهم دموعاً أكثر من المطر المنهمر، وأبوا الرجوع إلى منازلهم رافضين أن يصمتوا إلى أن فاجأهم حكيمهم بالمجيء متكئاً على عكازه؛ صديقه الذي لا يفارق خطواته، يبدو على ملامحه الكِبَر، والثقة بأنهم سيسمعون ماذا يقول.. وقفوا مندهشين من قدومه لأنه لا يظهر إلا عند اللزوم، فهو مسن والتجاعيد تملأ وجهه الأبيض.
تلك التجاعيد التي تروي من خلالها زمناً من القصص، والحوادث ممزوجة أيضاً بكم من الصراخ الهائل لِما آل إليه حال أبنائه وقف قائلا :يا أبنائي كفاكم صراخاً ونواحاً أخاف عليكم أن تجف حناجركم ويختفي صوتكم وتندمون ساعة لا ينفع الندم وخاصةً أنكم لم تجدوا من يرد عليكم من جيرانكم صدى صوتكم اسمعوا مني وعودوا إلى منازلكم .
راجين متمنين أن يكون صراخكم هذا فرّغ ما صدحت به حناجركم الجميلة .
ساد الصمت وبدأ المحتشدون ينظرون بعضهم إلى بعض بعيون كسيرة ومحمرة أي أنهم أحسوا بالخيبة ولم يلقوا النتيجة المطلوبة وعلى غفلة سمع صوتاً بعيداً يقول لهم: إننا ثابتون على موقفنا، ولن نعود قال الحكيم قلت لكم لم تلق نتيجة! قال الصوت وإلى متى ؟ردّ الحكيم إلى أن تأتي المعجزة التي ننتظرها فبتنا في زمن لا نفرح فيه إلا بمعجزة متأخرة حتى تأتي، ولكنها تأتي وبتنا في زمن نعاني الويلات كي نحصل على ما نريد.. عودوا أدراجكم متمني لكم أن تكونوا فرّغتم قسماً بسيطاً من صراخكم الذي ربما أراح البعض، وبقي البعض الآخر غير ممتن.
كان هذا الحكيم بمثابة وطن آمن لتلك الجماعة. وفجأة.. وقع عكازه وانكسر ووقع أرضاً ،هجمت الحشود لترى ما حصل لوطنهم ولكنهم للأسف لم يستطيعوا إنقاذه فإذا به فارق الحياة وفارقهم وكانت فاجعتهم ضخمة فخسارتهم لاتعوض مجبورين على الرجوع مكسوري الخاطر، مكتومي الصوت، ليجهزوا جنازة تليق بحكيهم وأتتهم فرصة جديدة لنواحهم وندبهم وبكائهم على حالهم وعلى حكيمهم متمنين أن يصبحوا على وطناً وقوراً محباً لهم مثل حكيمهم.
