10 يونيو 2023
نورى عيلال – دبي
أكد نورمان لويزا، المدير العالمي ل“مجموعة المؤشرات العالمية (البنك الدولي)” على أهمية نهوض القطاع الخاص لإنقاذ النمو الاقتصادي. ورصد نورمان لويزا ضمن ورقة تحليلية حصلت “نُص خبر” على نسخةٍ منها، توقعات “تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية” الأخيرة، حول معدلات النمو للعام 2023, والتي خلُصت بأن تكون أدنى معدل للنمو خلال ثلاثة عقود، باستثناء عامي 2009 (الأزمة المالية العالمية) و2020 (جائحة كورونا). واعتمد نورمان لويزا في تحليله، على تحذيرات تقرير “تراجع آفاق النمو طويل” الأجل الذي صدر مؤخرا، من تراجع معدل النمو طويل الأجل في الاقتصاد العالمي والتي بُمكن أن تهدد “بعقد ضائع“، مما يحد من قدرات البلدان على مكافحة الفقر والتصدي لتغير المناخ. وبحسب نورمان لويزا، تتسق تنبؤات “مجموعة البنك الدولي” المثيرة للقلق، مع وجهات نظر قادة الأعمال في مختلف أنحاء العالم، في ظل زيادة نسبة المتشائمين منهم في الأشهر القليلة الماضية.
وأشار نورمان لويزا إلى أن الحالات المتعددة لإفلاس البنوك، تسببت خلال الأسابيع القليلة الماضية في اضطراب القطاع المصرفي، وأعادت إشعال المخاوف من حدوث أزمة مالية. وقد لا تتحقق الآن الآمال الكبيرة التي كانت تراود الكثيرين في تحقيق انتعاش اقتصادي قوي بعد الجائحة. فالأنباء السيئة عن النمو تبعث دائما على القلق، مُشيراً إلى أن النمو المنخفض ينطوي على الفقر والاحتياج، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وأزمات سياسية وتفشي الجريمة والعنف.
تزايد التشاؤم تجاه الأوضاع الاقتصادية العالمية منذ منتصف عام 2021
وتطرق نورمان لويزا إلى أزمة الدين العام وارتفاع معدلات التضخم، حيث قال: ” في مواجهة ركود النمو وإمكانية حدوث ركود، فإن الاستجابة التقليدية للاقتصاد الكلي، تتم من خلال سياسة مالية ونقدية توسعية. غير أن هذا لا يكون مجديا. في السياق الحالي بالنسبة للعديد من البلدان“. وبحسب نورمان لويزا، فإن السياسة المالية العامة التوسعية مقيدة بشدة بسبب أزمات الدين العام التي تؤثر على العديد من البلدان النامية والمتقدمة. وسواء كان ذلك مدفوعاً بانخفاض النشاط الاقتصادي وبالتالي انخفاض الإيرادات العامة، أو زيادة الإنفاق العام لمساندة الأسر والشركات المتأثرة. فقد أدت جائحة كورونا إلى ارتفاع الدين العام في جميع أنحاء العالم. وأكد نورمان لويزا أن ارتفاع الدين يُشير إلى أن نسبة كبيرة من الموارد العامة توجه نحو مدفوعات الفائدة، مما يحدّ من القدرة على الحصول على تمويل إضافي للديون، وهو ما قد يكون باهظ التكلفة أيضا. وفي هذه الظروف، قد لا يكون هناك ببساطة “حيز مالي” للحكومات لتنفيذ استجابة مالية.
زيادة ديون الحكومة المركزية كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في كل منطقة خلال الجائحة
“دين الحكومة المركزية هو إجمالي رصيد التزامات الديون التي تصدرها الحكومة المركزية. الأرقام الإقليمية هي متوسطات غير مرجحة للبيانات على مستوى الاقتصاد داخل كل منطقة“.
وبرى نورمان لويزا أنه من شأن السياسة النقدية التوسعية أن تتصدى للجهود الرامية إلى خفض التضخم في البلدان النامية والمتقدمة. وسواء كان التضخم ناجماً عن عوامل العرض كتعطل سلاسل الإمداد العالمية على سبيل المثال، أو عوامل الطلب مثل السيولة المفرطة، فقد زاد التضخم زيادة كبيرة وهو مصدر قلق رئيسي للأشخاص وواضعي السياسات على حد سواء. ومرة أخرى، فإن “الحيز النقدي” المتاح للحكومات لتوليد استجابة نقدية لتباطؤ النمو قد لا يكون مُجدياً في الوقت الحالي.
أثر ارتفاع التضخم خلال عام 2022 على جميع أنواع الاقتصادات
“تشير هذه البيانات إلى 196 بلدا بين عامي 2017 و2022 مدرجة في قاعدة بيانات الآفاق الاقتصادية العالمية لصندوق النقد الدولي“.
وشدد نورمان لويزا على ضرورة تعبئة الاستثمارات الخاصة بالنسبة لمعظم البلدان، إن لم يكن كلها، كون أن القطاع الخاص هو محرك النمو الاقتصادي. وعليه، سواء أفلتت بلدان العالم من الركود الوشيك أم لم تفلت، ستعتمد في نهاية المطاف علي كيفية تحرك الشركات الخاصة والمستهلكين على مدى الأشهر والسنوات القليلة المقبلة.
ووفقاً لنورمان لويزا، فإن الاستثمار الخاص من العناصر الحاسمة لنشاط القطاع الخاص. وهو إحدى الآليات الرئيسية التي يقوم من خلالها رواد الأعمال بالابتكار وخلق فرص العمل والروابط مع بقية الاقتصاد. مُشيراً أنه على الرغم من أهمية الاستثمارات العامة، فإن الاستثمارات الخاصة تمثل في المتوسط ثلاثة أرباع مجموع الاستثمارات في البلدان النامية. كون أن الاستثمارات الخاصة مدفوعة بتوقعات المخاطر والعائدات على مستوى الاقتصاد والقطاع والشركات، وإلى حد كبير تتحدد هذه التوقعات بمدى ملاءمة بيئة الأعمال. وقال نورمان لويزا: “مما يُثير القلق أن الاستثمارات الخاصة كنسبة من إجمالي الناتج المحلي، انخفضت في معظم المناطق بعد الأزمة المالية العالمية في عام 2009″. وتساءل نورمان لويزا حول مدى امكانية عكس مسار هذا الاتجاه؟.
تباطؤ نمو الاستثمارات الخاصة خلال العقد الأول من الألفية
يتم حساب نمو الاستثمارات الخاصة على أساس الاستثمارات الخاصة في الاقتصادات (إجمالي تكوين رأس المال الثابت) بالأسعار الثابتة لمليارات الدولارات الدولية لعام 2017 كأوزان مرجحة.
واستند نورمان لويزا بالمثل الصيني الشهير الذي يقول” أن الأزمة هي فرصة تركب رياح خطرة“، مشيرا أن الأزمات يمكن أن تتيح فرصا من خلال الكشف عن مجالات الضعف، وتحفيز العمل على صعيد السياسات، وتوحيد العقول بشأن الحاجة إلى الإصلاح. وإذا ما تحملت البلاد “الرياح الخطيرة” للصدمات الاقتصادية، فإن الأزمات يمكن أن تُنذر بإصلاحات. ومن المعروف جيدا أنه في أعقاب الأزمات المالية العالمية في عام 2009، طبقت الحكومات لوائح تحوطية مالية أكثر صرامة. ومن غير المعروف جيدا أن العديد من الحكومات في مختلف أنحاء العالم شرعت أيضا في تنفيذ إصلاحات رئيسية لتحسين سهولة ممارسةأنشطة الأعمال.
نفذت الحكومات عددا قياسيا من الإصلاحات لتحسين بيئة ممارسة أنشطة الأعمال خلال فترة الركود في عام 2009
تنفيذ إصلاحات في مجموعة واسعة من مجالات الأعمال خلال فترة الركود في عام 2009
وكي يبادر القطاع الخاص إلى الإنقاذ في الوقت الذي يواجه فيه العالم آثار الجائحة، من الضروري وفقاً لنورمان لويزا إجراء مجموعة قوية من الإصلاحات الرامية إلى تحسين بيئة الأعمال في البلدان النامية والمتقدمة على حد سواء. وفي هذا الصدد، لم تكن الاتجاهات قبل الجائحة واعدة بشكل خاص. آخذاً على سبيل المثال جودة اللوائح التنظيمية لأنشطة الأعمال، إذ شهدت جميع مناطق البلدان النامية، باستثناء منطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وآسيا الوسطى، تدهوراً في تحسن الجودة التنظيمية فيما يتعلق بالتوجه العالمي أكثر مما شهدته البلدان المعنية.
النسبة المئوية للاقتصادات، حسب المناطق، التي شهدت تحسينا أو تدهورا في درجة الجودة التنظيمية لمؤشرات الحوكمة العالمية بين عامي 2011 و 2019 – وهي ليست اتجاها واعدا في معظم البلدان النامية
وسلط نورمان لويزا الضوء على قائمة الإصلاحات المطلوبة طويلة في كل بلد تقريبا، وفي بعض البلدان، على نحو شامل. ومع ذلك، فإن العدد الكبير من الإصلاحات المطلوبة ليس بالضرورة عقبة رئيسية. غير أن الافتقار إلى معايير مرجعية دولية متبصرة لإصلاح السياسات هو أمر لا رجعة فيه. أين يمكن ل“مجموعة البنك الدولي” أن يكون لها تأثير. ومن بين العديد من المبادرات القيمة التي تجري دراسات تشخيصية للقطاع الخاص، شدد نورمان لويزا علىمشروعات “مجموعة البنك الدولي” الجديدة والمحسنة التي تستهدف بيئة الأعمال. وقال نورمان لويزا: “يفيد كل من المشروع المقبل الجاهز لأنشطة الأعمال على الصعيدين العالمي ودون الوطني، وبرنامج مسوح مؤسسات الأعمال الموسعة، وتحسين تقرير المرأة وأنشطة الأعمال والقانون، أن كل ذلك لا يسعى إلى تقديم توجه الإصلاح فحسب، بل أيضا تفاصيل ما ينبغي إصلاحه كي يتعافى القطاع الخاص في أوقات الأزمات وينمو على نحو مستدام في جميع الأوقات“.