7 أغسطس 2023
حاوره: هاني نديم
يقول عبدالسلام العبوسي:
العبوسي شاعر من البلاد السورية، عربي لنقي العظام، يكتب لليمن كما يكتب للشام، تميز بنصه العمودي الذي أعاد تفكيكه وتركيبه بخلطة ساحر ليبدو جديداً مواكباً ومحملا بالدلالات والرموز. حاورته حول المشهد الشعري وشكله، عن سوريا والأفراح والأحزان، سألته:
- أبدأ من المشهد السوري الذي لا يمكن لنا أن نتجاوزه مع كل ما حصل، كيف أثر هذا على نصوصنا وكاتاباتنا؟ وبالنسبة لك شخصياً ما الذي تغير في بنيوية نصوصك؟
– كأنَّ الحياة قبل هذا المشهد المأساوي الهائل كانت تمازحنا، وكنا ندلِّل أنفسنا في أحضانها، فنبتكر أحزاناً صغيرة على قدر نصوصنا المبتكَرة، ولكنني لا أستطيع أن أنفي وجود جمر متَّقد تحت هذا الرماد الصامت، حيث أخذت الأحداث الأخيرة دور الريح النافخة، فانفتحت أمامنا – وربما علينا – مساربُ الماء والنار، فتشكَّلت بضاعة الحرب، وتقهقرت بضاعة الحياة، ولكنها برأيي لم تنهزم، وأمام هذا الكم الهائل من النصوص فإنَّك لن تفتقد نصوصاً خضراء تقودك إلى الجمال والحياة، رغم هيمنة السواد واليباس، وهذه عدالة الطبيعة وموازينها الخارجة عن سطوة الإنسان، لحسن الحظ، ولا أظنني خارج هذا السياق فيما كتبت وأكتب حتى هذه اللحظة.
- ماذا يعني أن نكتب عمود اليوم؟ كيف ندافع عن تلك اللغة والشكل القديم؟ حدثني عن علاقتك بالشكل والوزن والحداثة.
— أظن أنَّ الموسيقا المتمثِّلة بالبحور الخليلية هي إحدى أهم ركائز الشعر ، وعلاماته الفارقة وبدونها سيفقد الشعر الكثير من ملامح هويته، لكنني أكاد أقول إنَّ كل الأجناس الأدبية تحمل مقداراً معيناً من الشعر، وبنسب متفاوتة، حتى إنِّ أحاديثنا اليومية قد تمرُّ فيها جملةٌ أو أكثر تحمل من المجاز الشعري ما لا تحمله عشرات القصائد، ولكن أن تستطيع ترويض هذه الجملة وفق الموسيقا الخليلية فهذه لعَمري فضيلة الشعر على غيره من الأجناس الأدبية الأخرى، وأنت تعلم أنَّ القلب يطرب للجملة المموسقة أكثر مما يطرب للجملة غير المنضبطة موسيقياً رغم أنَّ كليهما يحمل المقدار الشعري ذاته، وكم من جملة شعرية بسيطة حملتها الموسيقا إلى آفاق بعيدة، وانتشرت بين الناس انتشار النار في الهشيم، وقد حاولت خلال تجربتي الشعرية تحديثَ القصيدة العمودية من الداخل، دون المساس بالشكل، ولا أدري إلى أيِّ حدٍّ وُفِّقت في ذلك، ولكنني متأكد أنَّ هناك شعراء نجحوا في هذا المسعى خلال العقود الأخيرة، واستطاعوا بجدارة إزالة تهمة الجمود التى وُصِمت بها القصيدة الكلاسيكية.
أن تستطيع ترويض جملة وفق الموسيقا الخليلية فهذه لعمري فضيلة الشعر على غيره من الأجناس الأدبية الأخرى
- كيف تقرأ المشهد الشعري العربي اليوم؟ ما الذي ينقصه وما هي أهم تحدياته؟
– أعتقد أنَّ الشعر العربي مازال يحتل الصدارة بين الأجناس الإبداعية الأخرى، من حيث سرعة استجابته لمواكبة القضايا العربية الراسخة منها، والطارئة على حدٍّ سواء، ذلك لأنه مازال يتخذ شكل السلك العاري الأكثر حساسية وتوتراً لدى الذائقة العربية، وأتمنى ألا أكون مغالياً لو قلت إنَّ العربيَّ ينجرُّ من عاطفته أكثر مما ينجرُّ من عقله، وقد نفترق نحن العرب بسبب قصيدة، ونجتمع بسبب أخرى، وربما تلك إحدى أهم التحديات التي ذكرتَها في سؤالك، إذ يُعتبر تجيير الشعر لصالح الاستقطابات السياسية والمذهبية من أخطر التحديات أمام الهوية العربية، وبالتالي أمام الشعر العربي، خاصة أننا نعيش اليوم صراع هويَّات، وصراع ثقافات محموم، رغم أنَّ ذلك يساهم من جانب آخر في تفعيل حركة الشعر على صعيد المضامين، ولا بد من الاعتراف بأنَّ النص الشعري اليوم يشهد حركة متصاعدة ومتناغمة مع واقع الحال، ومعطيات الحياة المتجددة، وذلك في مقابل الحضور الخجول للنقد الذي يشكِّل غيابه تهديداً حقيقياً وإضافياً لمكانة الشعر، خاصةً أننا نلاحظ اليوم تسلُّلاً هائلاً لمئات النصوص المتواضعة عبر وسائل التواصل، وحتى عبر المؤسسات الرسمية.
- حدثني عن عبدالسلام بعيداً عن الشعر، أحزانه وأفراحه، هواياته وحياته، عنك بالعموم.
– بالعموم أنا حزين، وفي التفاصيل أحاول أن أنتزع سعادتي من فم الذئب، وقلَّما أنجح في ذلك، وكلما ضاقت الحياة هربتُ إلى رحابة النصِّ، وأنا قليلُ العمل، سريع الملل، كثيرُ النوم، قليل الأصدقاء، أجد صعوبة في التكيِّف مع المستجدات، وأنتمي لذاتي أكثر مما أنتمي للوسط المحيط، بمعنى أنني أدفع غالباً ضريبة اختلاف التفاصيل، أحبُّ أن أطلق السجناء الذين يقبعون داخلي بلباس الشعر، لأنهم إذا خرجوا عراةً فسوف يُدخلونني السجن، تحكمني الذكريات والأماكن وهاجس الماضي الجميل، ولكنني أجد متعةً حين أغدر بالمألوف عند أول فرصة سانحة.