فاتن حمامة.. اسمها “العنوان”

أشهر قبلة في تاريخ السِّينما العربية

5 يوليو 2023

أمامة أحمد عكوش – كاتب سوري

منذ سِنِيّ الطُّفولة، تخيَّلت الجماهير تصَفق لها.. فـ كان، توَحدت أحاسيسُها معَ الكاميرا كما الصنوان، رسخت ذاتها للسِّينما على أنها العنوان، وعبر الشاشة الصغيرة خياراتها مصقولةُ البنيان، صنعت تاريخها كَـ سَبَّاك حفظَ درجاتِ الميزان، كأنَّ الشَّاشة تواطأت معها فكانت لها طوع البَنَان. “نجمة القرن العشرين، سيدة القصر، وجه القمر، الثَّروة القومية، حمامة الشَّاشة وسيّدتها الحِسَان”، الفاتنة فاتن حمامة.

سـأصبح ممثِّلة!..

في السَّابع والعشرين من أيار/مايو 1931 في حي عابدين بالقاهرة أطلقت صرخة حياتها الأولى، من أمٍّ تعمل ربَّة منزل، وأب يعمل في وزارة المعارف/التعليم، لديها ثلاثة أخوة (منير ومظهر وليلى). حصلت على اسمها من اسم لعبة على شكل عروسة أهداها إيّاها شقيقها الأكبر “منير” يوم ولادتها، وكان اسم العروسة “فاتن”. بينما كانت تتلَّمس تفاصيل طفولتها في السَّادسة من عمرها، اصطحبها والدها إلى المسرح لمشاهدة عمل من بطولة آسيا داغر، لتتأثَّر بأداء الممثّلة بشكل كبير، ولترسم هاجس إيجاد ذاتها، بالسَّعي مذ ذاك الوقت بأنَّها ستكون ممثِّلة، “حين صفَّق الجمهور للممثِّلة، أحسست أنِّي البطلة، وأنَّهم يصفِّقون لي” هكذا قالت لوالدها وهما في طريق العودة إلى المنزل حين سألها عمَّا إذا أعجبها المسرح؟.. “أريد أن أصبح ممثِّلة” أردفت القول.

7 سنوات!..

حين أعلن المخرج محمد كريم أنَّه يبحث عن طفلة من أجل فيلمه “يوم سعيد”، أرسل والدها صورتها، فوقع عليها الاختيار لتكون طفلة الفيلم بدور “أنيسة”، ولتقف وقفتها السِّينمائية الأولى، وأيُّما وقفة.. فها هي أمام فنان الأجيال محمد عبد الوهاب والممثل القدير عبد الوارث عسر، “أحبَّني الجمهور، وصفَّقوا لي، وأنا ابنة السَّابعة، ليس كما خُيِّلَ لي أن ذلك سيحصل وأنا شابّة، بل بدأ وأنا طفلة”. لتظهر على مدى السَّنوات القليلة التَّالية، وتحديداً في عام 1944 في فيلم “رصاصة في القلب” لمحمد كريم وتوفيق الحكيم، بطولة (محمد عبد الوهاب وراقية إبراهيم وسامية جمال)، ومن ثمّ في الأفلام (مليونير صغير، والشَّهر الأول، والكون)، إلى أن انتقلت مع ذويها إلى القاهرة، للدّراسة في المعهد العالي للتَّمثيل. كما شهدت هذه الفترة – رغم معارضة والدها في البداية – زواجها لأوَّل مرَّة من المخرج عز الدّين ذو الفقار، أثناء تصوير فيلم أبو زيد الهلالي عام 1947، الذي أخرج لها العديد من الأفلام، وأسّسا معاً شركة إنتاج سينمائية، وأنجبا ابنتهما نادية، إلّا أنَّهما انفصلا عام 1954، ولكن.. لم ينفصلا فنياً. “تدهورت علاقتنا.. لأنّي اكتشفت أنّها كانت علاقة تلميذة مبهورة بحبّ الفنّ وانجذبت لأستاذ كبير، يكبرني بأعوام عديدة” بهذه الكلمات عبّرت حمامة حين مرّة عن انفصالها الأوّل.

اللقب!..

في ذات الحقبة.. اعترف أشهر المخرجين – آنذاك – يوسف وهبي بإمكانياتها، وأعطاها الدّور الرّئيس في فيلم “ملاك الرّحمة“، الذي حمل بطولته أيضاً، رفقة (فريد شوقي وراقية إبراهيم)، لتحصد من خلاله حمامة شعبية كبيرة، وتتالت عليها العروض بعده في (العقاب، واليتيمين، وسيدة البيت)، وصولاً إلى خمسينيات القرن الماضي، التي عُرفت بـ “العصر الذّهبي للسِّينما المصرية”، جسّدت فيه حمامة بطولات عديدة، بداية بـ “الأب أمين”، ومن ثمَّ في (لك يوم يا ظالم، وعبيد المال، والله معنا، والطّريق الممنوع، والحبّ والدّموع). كما شهدت الفترة الذَّهبية ذاتها، اللقب الذَّهبي لها، إذ أطلق عليها النَّقاد بعد فيلمها “موعد مع الحياة” عام 1953 لقب “سيدة الشَّاشة العربية”، الفيلم الذي ساهمت هي ذاتها في إنتاجه، ولعبت فيه دور “آمال”، وأخرجه زوجها ذو الفقار، وشاركها في بطولته (شادية، وشكري سرحان، وعمر الحريري). يذكر أنَّ لقبها الأشهر اقتصر على الشاشة، لأنَّها لم تقف على خشبة المسرح طوال حياتها سوى مرتين: في مسرحية البخيل عام 1946 التي كانت بطلتها مع طلبة وطالبات المعهد العالي للتّمثيل على مسرح الأوبرا المصري، وفي مسرحية حلاق اشبيلية عام 1950 على مسرح الأزبكية فترة دراستها بالمعهد. كما ويذكر أنَّ لقبها هذا، أزعج الكثير من بنات جيلها، إذ صرّحت الممثلة مريم فخر الدين في أحد مقابلاتها: “إذا كانت فاتن سيدة الشَّاشة العربية، أمال احنا إيه؟! عبيد”.

قبلة!..

سجّل فيلم “صراع في الوادي” عام 1954 إخراج يوسف شاهين، وبطولة (حمامة، وعمر الشريف، وفريد شوقي، وزكي رستم، وحمدي غيث، وعبد الوارث عسر)، – سجّل – مشهد القبلة الوحيدة في حياة فاتن الفنية، نبض قلبها من خلال هذا الفيلم بتدفق خاصّ، مطلقاً لها عباب أشرعة حبِّ الممثّل “عمر الشَّريف”، ليتمخَّض عن موعد مع الحبّ، وعن زواجهما مطلع عام 1955، وإنجابهما طفلهما “طارق”، ليستمرَّا في شراكة فنية طويلة، انتهت مع انفصالهما عام 1974، “كنت أعيش حلماً لا أريده أن ينتهي، ولكنّ الشّائعات من جهة، وكوني شديدة الغيرة من جهة أخرى، لأجل ذلك.. كان من المستحيل استمرار زواجنا” هذا ما صرّحت به حمامة بعد انفصالهما، بدوره قال الشَّريف في أكثر من لقاء: “أكثر قرار أندم عليه في حياتي.. هو انفصالي عن فاتن”. يذكر أنَّ مشهد قبلتها هذا، أثار غضب شكري سرحان “حسبما قال حين مرة”، لأنَّها رفضت تقبيله في فيلمي (موعد مع الحياة، وأنا بنت ناس)، وأضاف: “كانت تبدو في فيلم صراع في الوادي، متهالكة في غرام البطل، على غير ما عُرف عن باقي الأبطال الذين وقفوا أمامها”.

 

هوليود .. الثّورة!..

أصبحت شهرة سيدة الشّاشة العربية.. عالمية، عبر ظهورها في إنتاج هوليودي حمل عنوان Cairo عام 1963، من إخراج وولف ريلا، شاركها في بطولته (جورج ساندرز، وريتشارد جونسون، وجون ميلون، وإريك بولمان، ومونا ساكسينا، وكمال الشناوي، وصلاح نظمي، وشويكار، ويوسف شعبان، وعزت العلايلي، وصلاح جاهين).

في هذا العقد – بعيداً عن الجانب الفنّي – قالت حمامة في أحد لقاءاتها: “دعمي لثورة 1952 تسبّب لي بالعديد من المضايقات، وتزايدت مطلع السّتينات، ممّا اضطرني إلى مغادرة أمّ الدّنيا عام 1966”. يذكر أنَّه في فترة غيابها، طلب الرّئيس جمال عبد النّاصر من مشاهير الكتّاب والنّقاد السّينمائيين، إقناعها بالعودة إلى مصر، واصفاً إياها بـ “الثّروة القومية” – إلّا أنّها لم تعد وقتها -.

الحرام!..

رغم المضايقات التي تعرضت لها “الثّروة القومية”، وقلَّة مشاركاتها الفنية وقتها، إلَّا أنَّها أبدعت في فيلم “لا وقت للحبّ” عام 1963 بدور “فوزية”، قصة يوسف إدريس وسيناريو لوسيان لامبير وإخراج صلاح أبو سيف، وممن شاركوها بطولته (رشدي أباظة، وصلاح جاهين، وعبد الله غيث، وعصمت محمود). وفي فيلم “الحرام” عام 1965 ليوسف إدريس وسعد الدين وهبة، إخراج هنري بركات، وشاركاها بطولته (عبد الله غيث، وزكي رستم)، الذي جسَّدت فيه شخصية امرأة فلاحة “عزيزة” تعرضت للاغتصاب في أحد الحقول، لتحمل.. إلَّا أنَّها أخفت حملها عن الأعين، وعندما ولدت طفلها، خافت أن تفضحها صرخة حياته – فقدت سيطرتها على ذاتها – فقتلته دون وعي. “قالت لي صديقتي.. نزلت رواية جديدة ليوسف إدريس اقريها، جبتها.. قريتها.. عجبتني جداً جداً، وفي وقتها.. إحنا عشان نلاقي رواية بمعنى الرّواية الجميلة المتكاملة اللي تصلح للسّينما، فدي حكاية مش قليلة خالص، الحقيقة أثّرت فيا شخصية عزيزة جداً، اتّصلت بالأستاذ هنري، قولتلو عندنا رواية جديدة عظيمة ليوسف لازم نعملها، وأهو كان، إحنا عملنا فيلم عظيم بجد” بهذه الكلمات عبّرت “عزيزة الفيلم” عن شدّة إعجابها بالرّواية، وبالفيلم، وبالشّخصية التي جسّدتها فيه.

فاطمة .. الأحلام .. أبلة حكمت!

تنقَّلت “عزيزة في الحرام” خلال سنوات غيابها عن مصر بين لبنان وبريطانيا، لتعود إلى القاهرة عام 1971″، وكانت غالباً تختار أدواراً تقدِّم من خلالها رسائل سياسية، أو تنتقد بعض القوانين في مصر، مجسّدةً عدداً من الأفلام مثل (الخيط الرّفيع، وأغنية الموت، وأفواه وأرانب)، إضافةً إلى أنّ هذه المرحلة – تحديداً عام 1975 – شهدت زواجها من طبيب الأشعة المصري محمد عبد الوهاب محمود، الذي أكملت معه حياتها. كما أدَّت في الثَّمانينات مجموعة أعمال سينمائية، أشهرها “ليلة القبض على فاطمة”، فيما كان آخر أفلامها “أرض الأحلام” في التِّسعينات. كما حملت مسيرتها الفنية بطولتها في مسلسلتين تلفزيونيتين “ضمير أبلة حكمت” عام 1991، سيناريو أسامة أنور عكاشة وإخراج إنعام محمد علي والموسيقى التصويرية لـ عمر خيرت، وممن شاركوها في بطولته (أحمد مظهر، وجميل راتب، وعايدة عبد العزيز، ويوسف شعبان، وحسن مصطفى)، و “وجه القمر” عام 2000، تأليف ماجدة خير الله وإخراج عادل الأعصر، وشاركها في بطولته (أحمد رمزي، وجميل راتب، وحسن حسني)، العمل الذي حصد جائزة أفضل سلسلة في مهرجان الإذاعة والتّلفزيون المصري عام 2001.

تكريمات .. أوسمة

ثمانية  من أفلامها كانوا ضمن قائمة أفضل مئة فيلم مصري في القرن الماضي، منها (الباب المفتوح، وأريد حلّاً، و”دعاء الكروان” المأخوذ عن رواية لعميد الأدب العربي طه حسين، و”نهر الحبّ” المستند على رائعة “آنا كارنينا” للعالمي ليو تولستوي، و”لا تطفئ الشّمس” عن رواية لإحسان عبد القدّوس). وتلقّت أوّل جائزة في حياتها عام 1951 عن دورها في فيلم “أنا الماضي”، ومُنحت لقب “أفضل ممثلة” عامي 1955 و 1961 من وزارة الإرشاد المصرية، وأيضاً.. تمّ اختيارها “أفضل ممثّلة” في السّينما المصرية عام 1996 أثناء احتفال السّينما المصرية بمناسبة مرور 100 عام على نشاطها، وتمّ اختيار 18 من أفلامها من ضمن 150 فيلماً من أحسن ما أنتجته السّينما المصرية. وبعض أفلامها كان من أهمّ الأفلام المشاركة في مهرجان كان العالمي، منها فيلم “لك يوم يا ظالم” الذي رُشحت من خلال دورها فيه لنيل الجائزة الدولية لـ “كان” السينمائي عام 1950، وتمّ ترشيح فيلمها “الحرام” لنيل جائزة السّعفة الذّهبية لمهرجان كان عام 1965، وكذلك فيلم “صراع في الوادي”. علاوةً على أنّها كانت عضوة في لجنة التّحكيم في عديد المهرجانات السّينمائية، منها (القاهرة، والإسكندرية، وكان، وموسكو، والبندقية، وجاكرتا، وطهران، والمغرب). وحصدت الجائزة الخاصة في مهرجان جاكرتا السّينمائي عام 1963 عن دورها في “الباب المفتوح”، والجائزة الخاصّة في مهرجان طهران السّينمائي الدّولي عام 1972 عن دورها في “الخيط الرّفيع”، ومرة أخرى في طهران السّينمائي عام 1977 عن دورها في “أفواه وأرانب”، وكذلك الجائزة التّقديرية من الاتّحاد النّسائي السّوفيتي والجائزة الخاصّة في مهرجان موسكو السّينمائي الدّولي عن دورها في “إمبراطورية ميم” عام 1973، وجائزة “أحسن ممثّلة” من مهرجان قرطاج السِّينمائي الدُّولي في تونس عام 1988 عن دورها في “يوم مرّ يوم حلو”، وجائزة “نجمة القرن” من قِبَل منظمة الكتَّاب والنّقاد المصريين عام 2000، والجائزة الأولى للمرأة العربية عام 2001. كما حصلت على عديد الميداليات والأوسمة، منها: ميدالية الشّرف من الرّئيس جمال عبد النّاصر، وميدالية الشّرف ووسام العظمة من الرّئيس أنور السّادات، وميدالية الاستحقاق من ملك المغرب الحسن الثّاني، ووسام الكفاءة الفكرية من المغرب، ووسام الاستحقاق من رئيس الوزراء اللبناني الأمير خالد شهاب، ووسام الأرز من الرّئيس اللبناني إيميل لحود، ووسام المرأة العربية من رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. ويذكر أنَّ اسمها ذكر في موسوعة “لاروس” الفرنسية الشّهيرة، إضافة إلى منحها شهادتي دكتوراه فخرية من الجامعة الأمريكية (في القاهرة 1999، وفي بيروت 2013).

باب الحياة!..

قيل في حقِّ الفنانة العربية الوحيدة التي حملت اسمها الحقيقي “فاتن” كبطلة في تسعة من أفلامها، وحملت اسم “آمال” في ربع أفلامها، – قيل في حقّها الكثير – منهم ما قاله الرّوائي إحسان عبد القدوس: “إنّها من الممثّلات اللواتي استطعن أن يُجِدْنَ تمثيل شخصيات قصصي، استطاعت أن تصوّر خيالي، عندما مثّلت دور فايزة في فيلم “الطّريق المسدود”، ودور نادية في فيلم “لا أنام”، أذكر أنّي ذهبت يوماً صحبة يوسف السّباعي إلى الاستديو أثناء تصوير مشاهد من “لا أنام”، وقفنا مشدوهين ونحن ننظر إليها، كانت تشبه البطلة الحقيقة للقصّة التي كتبتها، لا.. بل كانت هي”. ومن أشهر أقوال سيدة الشّاشة: “أنا فخورة جداً بما قمت به، الفنّ والتّمثيل ليس فقط من أجل الشّهرة، إنّه عمل أكثر جدية، وإذا قام كلّ شخص بعمله بجدية واحترام، سيكون فخوراً به”، ولعلّ أكثر ما حفر في ذاكرة محبّيها قولها: “الحياة بالنّسبة للبعض باب مقفول على أنانيتهم، الحياة بالنسبة لي، باب مفتوح على الأمل، على السّعادة”.

“أنا داخلة أرتاح شوية”!..

في السابع عشر من كانون الثاني/يناير عام 2015، بعد رحلة عطاء استمرّت لأكثر من 75 عاماً، حملت إرثاً كبيراً للحركة الفنية العربية، تجاوز المائة عمل سينمائي، قالت ابنة الـ 84 عاماً لزوجها: “أنا داخلة أرتاح شوية” – إلّا أنّ القدر اختار لها أن ترتاح أبداً -. توفيت فاتن أحمد حمامة .. موصيةً بأن لا يقام عزاء لها، ليوارى جثمانها الثّرى من مسجد الحصري، في مدينة السّادس من أكتوبر، وليتصدّر خبر وفاتها عناوين وكالات الأنباء والصّحف والإذاعات والتّلفزيونات العربية والعالمية، أبرزها: “نجمة القرن ترحل” .. “سيدة القصر تغادر”.. “وجه القمر يغيب” .. “سيدة الشّاشة العربية تترجَّل”.

 

 

 

قد يعجبك ايضا