فضاء النقد، الأفعال الماضية إلى الأبد

7 يوليو 2023


غادة فطوم – كاتبة و شاعرة سورية

حين تفتتح كتاباً، فاعلم أنَّ هناك عالماً مجهولاً عليك اجتيازه، وهذا العالم يضعك أمام الكثير من الألغاز يجب اكتشافها. أما أن تقرأ التمرّد والعصيان لشاعر خلق لنفسه عالماً من المحاكاة بين الأنا المتمردة والأنا التي التي تخضع لأفعال الأسلاف، فهذا يضعك أمام احتمالين لاثالث لهما: أنك يجب أن تكتشف عالمه من خلاله الحاضر، أو أن تكتشفه من خلال محيطه الماضي.

وهنا الشاعر عامر الطيب يتمرد على الأفعال الماضية ويستقرئ منها الواقع،
/ الصفحة 5 و 7/ من الديوان: إلى الفعل الماضي – ذهبَ – الذي ذهبَ الآن..
إلى الفعل الماضي – يذهبُ – الذي يذهبُ دائماً
وأيضاً: يعودُ اكتشافُ الأفعال الماضيةإلى أسلافِنا الأوائل، حدث الأمرُ فجأةً، وهنا قرأ الماضي ودمجه بالحاضر لكن برؤية المنتمي إليهما. لذا جبل الماضي بالحاضر وكأنَّه يقول أنا كنت سابقاً، وأنا الآن، سيضعنا أمام ذواتنا بشعر يجب أن نقرأه وننعطف معه إلى كل عوالمه المستوحاة منّا ومنه رغماً عن لغتنا المستعصية.

أما مستحيلات الشاعر تتضامن وتتطابق مع مستحيلات الأطفال والكبار عمراً بعد أن يتم العثور على بيضة الديك/ الصفحة9/:
«لماذا يبيض الدّيك بيضة واحدة كأنّه يلد؟».

يقول صبيٌّ ويقول صبيٌّ آخر:
«هل هذه هي البيضة الأولى أو الأخيرة”.

لذا عليك أن تقتنع أو لاتقتنع سيان بأن الوطن يحول لحديث امرأة تتسابق في نسجه لخلق أوطان بفلسفة شاعر وجوع /الصفحة 10/:
المرأةُ الصغيرة مثل دخان الفنجان ضعيفةُ البدن..
تقطعُ حديثاً معي
من أجل أنْ تنسجَ حديثاً مغايراً عن الوطن الذي يصير
الغبار الطّارئ في العيون.

كيف لا؟ وهو الذي مهَّد للقضاء على استجدائها بإلغاء جوعها وحرمانها، وإطلاق أحلام تمتشق النجوم:
سأسافر لا لكي أدبِّر موعداً في المدينة
إنّما لأفتح لكِ طريقاً إلى مدنٍ أشد غروباً

أما حين نمارس إنسانيتنا ونعود ربما علينا تسلق الحياة ونعود كالإنسان الأول على وجه البسيطة..
و الصفحة/11/:
رفيقتي الأخيرة سنذهبُ إلى غرفةٍ في آخر
المدن تقريباً
ونمارس الجنس مرَّةً كرغبة حيوانَين عجولَين في الغرفة
ومرّةً كلعبة عبقريين في نهاية الخريطة!.

وهاهو يختصر اللغة والأيام ومعرفة التاريخ من خلال لقائه بامرأة ما يصادفها أو تصادفه أو يتوهان في اللازمكان.. الصفحة/12/:
لو تعمَّدْنا نسيان اللغة تماماً
لنْ تظلَّ أمامنا طريقةٌ لمعرفة الأحد القادم من الأحد
الماضي
سوى أنْ نقولَ الأحد الذي نصادف به امرأةً
والأحد الذي تغلق به المرأة الباب!

والأبدية لاتكون بتزوير بوح سبق الحياة الأولى ولا بأن نشوِّه حقيقتنا الإنسانية ابداً فما يخرج تحت راية العشق والحياة لايمكن أن يطعن به ولا بأبديته..
زوَّرنا رسائل «غسَّان» إلى «غادة»
كتبنا أنّه يريد مِلحاً وفِراشاً دافئاً ومعجونَ أسنان…
افترضنا أنّهما كانا عاشقين بسيطين،
و أنّهما لم يكتبا رسائلهما من أجل أنْ يصيرا أبديين
أو من أجل أنْ يفترقا!.

وبما أنَّ الأبدية هي مرحلية للشاعر فهو ينحو للكمال، وهذا الكمال لايمكن أن يكتمل إلامن خلال صرخة تعود بثلاثة أصداء.. الصفحة18:
صوتي
صداي، صداي، صداي
هكذا أصير بشراً كاملاً من صوتٍ واحد وثلاثة أصداء!.
وهاهنا سنضعك أمام حلم واحد بأن يجد لغة وقافية وأضداداً جديدة، ويحول طفولة اللغة لإبداع، وهذا الإبداع انهمار بقلم شاعر لكن كيف؟…
بأن تكون طفلة تغرد بجمال اللغة وتسمو طفولتها بها/ الصفحة 19/:
يا لغتنا الأم كوني طفلةً طيّعةً
واخترعي كلاماً يليق بهوسنا.
وبعودتنا من حمم الشاعر لتمرده على اللغة والمفردات نكتشف حقيقة أمام أعيننا، أنَّ تخيلاته وتوجهاته هي إعادة إعمار وإنجاز، وهذا التمرد لايسبب خراباً بل إنجازاً وبخطوة واثقة.. الصفحة/23/:
لو تسمح لنا اللغة تبديل أسماء المخلوقات
فنسمِّي العصفورَ فيلاً
علَّ ذلك يساعدنا لنقولَ صعد الفيلُ على الشَّجرة ولمْ تنكسرْ!.
وبخطوة واثقة للتفتيش عن طرق جديدة للسعادة والحياة.. الصفحة/21/:
منذ البداية قلنا للمعلِّم نريد أنْ نعيش عاماً واحداً
مع نساء سعيدات
وها نحن إلى الآن
لم نجدْ فرصةً لمعرفة امرأة عن كثب
ولمْ ننجحْ!

الشاعر العراقي عامر الطيب

نعم فربما بتغيير بسيط في التفكير والسلوك تبلغ “أنا الشاعر” مبتغاها،لكن على الرغم مما أسلفت فإنه يعجن الحزن عجناً من جراء الفراق والفقد ورفض الحياة والنهاية كلٌ على طريقته.
هناك سؤال يردد في خلجات كل إنسان فمابالك بشاعر هذا السؤال هو: كيف نُبْقي على حياة من رحلوا.. نكررهم.. نجدد ذواتهم ونعيد معهم ماحلمناه، ونسينا أن نخبرهم بالكثير.. نقول لهم كل مانتمنى؟ الصفحة/27/:
لديَّ آباء كثر، لا مساحة لأترك هنا شيئاً من كلماتهم
الأخيرة …

قد يعجبك ايضا