في ذمّ الصحافة والتصحيف!

من أكثر الأشياء المضحكة المبكية في الحياة حينما يعرف أحدهم أنك صحافي، فيبسمل ويمشييء ويحوطك بآيات الله ويبخّرك بعودٍ كمبودي، ويطلب العون من الأولياء ومن كل جاه، لتحرسك من العين وكأنك قلت له أنك تعمل نائب رئيس وكالة ناسا، أو متعهد أزهار للأفراح والمناسبات…

هل تعرف ماذا يعني الصحافي؟ إنه القلق المارد يمشي على الأرض. السهر المتواصل والنوم المتقطع وعلب الأدوية التي تزداد عاماً بعد عام، الغياب شبه التام عن كل شيء. الخوف والوساوس من أي خطأ مطبعي، أو معرفي، أو سياسي، أو ديني، أو اقتصادي، أو رياضي، التوتر الدائم من اللاشيء في حصونه الضبابية، الذبابة التي تدور في الغرفة أو تلك التي لا تدور، من رئيس التحرير الذي يريدك بظرف ساعةٍ أن تنقل جبلاً  من الكلام بملعقة سيريلاك، الركض تلو الركض، اللهاث تلو اللهاث. القارئ الذي لا يعجبه شيء، الأحزاب يمنةً ويسرى، التيارات الفكرية المتلاطمة، المحتوى المجاني الجديد المغلوط على الدوام الذي يقوّض بكبسة زر ما عملت على تحقيقه وتدقيقه وتهمشيه أشهر.

الإنهاك 3D والحفر الدؤوب نحو ما لا نعرف. وموات الاعتيادية والتكرار. فمثلما تفقد بائعة الهوى اللذة والرعشة، نفقد دهشتنا أمام النصوص الـ”تترى” التي نتعامل معها دون أي حسٍّ جمالي بعدما أكله غول الصحافة النهم، تلك النصوص التي تعبرنا كمتوالية حسابية مملة وبطيئة، فيمر الـ فعولنٌ مفاعيلن في تفاعيله كما يمر النثر في مجاهيله دون أن يحرك ستائر النافذة، أو يدفعنا “ماوراءه” إلى تآويله. فالصحافي أيضاً كما لم أذكر هو فرامّة ورق وحارق نصوص ومتعهد نباتات داخلية ميتة.

والصحافة أيها القارئ الكريم، ليست ثقافةً رفيعةً كما تعتقد! إنها “كوما” معرفية، غياب وضعي، جهوي، بؤري، توحّد. والصحافة التي كانت صاحبة الجلالة، أصبحت في جلّها أكاذيب محققة وتحقيقات القصد منها توجيه الرأي العام وحشدها على طريق وحشدها على مذهب.

ومن ثم؛ اللعنة على هذه الـ “مصلحة” وهذه السوسة التي خلقت لوجع الظهر والقلب ورفع ضغط الدم وآلام المفاصل والزهايمر المبكر! هذا الكار الذي يجعلك على اتصال مباشر دون وسيط مع الكتّاب وحملة القلم ممن يعتقد كل واحد منهم أنه نصف آله على جبل الأولمب ويمنّ على الكوكب وعلينا بنزوله بيننا. إنها أقصى درجات العبودية.. لكنها -لسوء الحظ- ممتعة متعةً لا مثيل لها، وتسبب الإدمان العنيف كبقية ألعاب القمار وسوسة لا شفاء منها للأسف الشديد!.

قد يعجبك ايضا