كتابة العنوان الصحفي أصعب من كتابة الشعر

25 نوفمبر 2023

بوصفي صحافياً؛ تصلني العديد من البيانات والأخبار الصحفية للنشر، لنقل 60 بياناً في اليوم، أمر عليها صباحاً على عجل، ويكون الأمر كالتالي:

  • افتتاح دورة الفجر الرياضية بحضور وزراء وسفراء
  • سباق الدراجات في ليون ينتهي بمفاجآت
  • بين البرازيل والأرجنتين.. من سيفوز؟
  • بقرة غاضبة تطلق النار على صاحبها!

نعم.. سأقف هنا وأقرأ دون أدنى شك، مثلك تماماً! وهذا بسبب صياغة العنوان الطريفة والجذابة.

يقول لنا تاريخ الصحافة إنها بدأت متجهّمة، حاسمة، ومتأنية، وذلك لتنال الموثوقية والإقبال على هذا القطاع الجديد الذي يلقم الناس أخبار البلاد الرسمية والمتحفظة؛ ولم يكن ليجرؤ أحد على كتابة عناوين ناتئة أو غريبة إلا بحدود ومقاييس متأنية ونادرة، ولكن مع تطوّر الصحافة وتوجه الكتّاب والأدباء إليها، تغيّرت بنيوية العناوين برمتها، ولكن هل تغيرت إلى الأفضل؟ ليس بالضرورة، إذ رأى الكثير أن مبالغات اللغة والمجازات والكنايات جعلت الخبر غامضاً ومتكلفاً.

هذه المرحلة الرصينة والمبالغة في بلاغاتها، أفرزت الصحافة الشعبية والصحافة الصفراء والفضائحية، وانحدرت بالصحافة إلى أدنى مستوياتها في منتصف القرن التاسع عشر. وانقسمت الصحافة إلى نخبوية وشعبية، فحار المختصون كيف يكتبون خبراً صحافياً نخبوياً بروح شعبية، ذلك كي يكسبوا كل الشرائح، فلا ينحدرون من جهة، ولا يتهمون بالتنطّع والمبالغة من جهة أخرى.. هذا الأمر أفرز نوعاً جديداً من الصحافيين الذين يجمعون بين فن الصحافة وأدواتها الأساسية من تحقّقٍ ودقة وسرعة، وبين فن الكتابة الرشيقة الأنيقة الذكية واللماحة. وهؤلاء قادمون -غالباً- من الأدب أو الوكالات الإعلانية التي تتطلب أكثر العناوين جاذبية واختزالاً وأشد الكلمات وقعاً في قلوب الناس.

ولنعلم أن غابرييل غارسيا ماركيز، الروائي العظيم والحائز على نوبل، عمل في وكالات إعلانية مثلما عمل في الصحافة، واختص بالعنونة وإعادة الصياغة للمقدمات. ومثله إرنست همنغواي وجورج اليوت وغيرهم، وتم توظيف كبار “الكوبي رايترية” برواتب خيالية في أروقة الجرائد فقط للعنونة والمقدمات.

في دراسة لمركز موسز للبحوث، أكد أن العين البشرية تتناول الصورة كأول مادة في الصحيفة العادية أو مواقع الانترنت، ثم يأتي العنوان في المرتبة الثانية، ثم المادة التحريرية.

إن العناوين الجذابة هي أول اتصال لفظي مع الجمهور، فعليها أن تثير فضوله وتشعل حماسته، كما يجب أن لا تبتعد عن متن النص وما يعد به، حتى لا يكون مخيباً للآمال. عليك بجملة واحدة أن تثير الفضول والحماس والفكر والعاطفة.. هذا صعبٌ أليس كذلك؟

بعد العنوان، لا بد من أن يستجمع المحرر قواه اللغوية والفنية في ضخّ دماء للموضوع حتى يمضي القارئ بعيداً. على الصحفيين أن يمدوا سنارة وخطافاً مغرياً ويلتقطوا جوهر الموضوع. ما زلت أحفظ مقدمة مقال كوندي ترافيلر عن أمستردام كما أحفظ الشعر، وقد بدأه بالآتي: “بقنواتها المليئة بالقصور والمبنية من الطوب الأحمر، بمتاحفها الفخمة التي تزينها روائع رامبرانت وفيرمير وفان غوخ، برائحتها المعجونة بالصنوبر البري وملح البحر الوردي البعيد.. سوف تمشي أنت والتاريخ في المدينة”.

وفي عارض الحديث عن العناوين والصحافة الجديدة، يستنكر المحترفون عناوين “الكليك” وهي العناوين التي تستجدي القارئ ليدخل إلى متن النص وتعده في غالب أمرها بتفاصيل مثيرة لكنه لن يجدها في متن الخبر. هل رأيت شارون ستون وهي تأكل الهوت دوغ؟ أنقر هنا!

هذا عنوان إن وضعناه على ما به من ضعف، فعلينا أن نتأكد من أنه يعد ويوفي.

اليوم ومع تزاحم وسائل الإعلام، أعتقد جازماً بوجوب كتابة عناوين ومقدمات متجاوزة ومبدعة، ولها بصمة خاصة وشخصية صحفية مميزة. وهو ما يميز خط تحرير عن آخر وموقع عن آخر.

وبرأيٍ شخصي، أعتقد أن العناوين التي تؤسس على الطرافة اللغوية دون ابتذال، والبلاغة اللفظية دون تكلّف، هي أكثر العناوين رواجاً وانتشاراً.

على كل حال؛ اختتم بعناوين طريفة من الذاكرة:

  • مصابٌ بكورونا يعطس في وجه صديقته الخائنة
  • قرد ناطق شمال أوغندا (نكتشف أن القرد مندوب قبيلته والناطق باسمها)
  • الإعصار قلب المقبرة وأخرج مئات القتلى التي تتشمّس الآن!
  • عمّال المناجم يرفضون العمل بعد الموت (عن حقوق العمال المهدورة)
  • دفع مهرها كل ما يملك.. 9 دجاجات فعاش على “الأومليت”!
  • عامان يضع رسائل غرامه بصندوق فضلات الكلاب.. الآن يفهم لماذا لا تنبح عليه
  • أول طفل في العالم يحمل اسم COVID-19 في ولاية براديش بالهند.
  • غداً رحبّوا بشمسين في سماء بلادكم (عن قدوم مارادونا إلى نابولي)
  • الاحتلال مقابل المقاومة.. من “الحيوان” هنا؟

 

قد يعجبك ايضا