15 سبتمبر 2023
أمامة أحمد عكوش – نص خبر
أن تمزجَ الشَّرَ بسماحةِ وجهٍ وطباعٍ هادئة، وتكون جذّاباً حتّى في أدوار الشَّر، لهو بالأمر المستحيل.. إلى أنْ فعله، وأن تجتمع الجدية وخِفَّةُ الدَّمِ بعفوية وابتسامة ناعمة، لهو كذلك أيضاً.. حتَّى برع فيه؛ تشكيليٌّ أبدع في الرّسم بوجهه وصوته، الوسامة ريشته، والموهبة أصل أدواته؛ من استطاع تقليد صوته.. إلى عوالم الفنّ عَبَرَ؛ هو الكاريزما الاستثنائية .. دونجوان الشّاشة العربية وآسر قلوب حسناواتها .. الثنائيُّ مع “سيدة الشّاشة، ومعبودة الجماهير، وملك الكوميديا”؛ هو كلارك غيبل العرب؛ هو المثقّف الانتهازي في اللصّ والكلاب، والحالم في المستحيل، والمتسلّق في الرّجل الذي فقد ظلّه، والفاسد في الكرنك، ووزير داخلية الإرهاب والكباب، ورئيس جمهورية ظاظا؛ هو كاتب الفجر ومخرج السّلطان ومنتج الدّموع ومقدّم الصّور والحكايات .. مَنْ خطَّ قصّة حياته بيده .. هو الوجه الآخر للقمر.
ولادة
ولد عام 1918 في مدينة ملكال بالسّودان “الذي كان آنذاك مع مصر”، ويشكّلان “السّودان ومصر” المملكة المصرية، انتقل إلى العيش مع والده في مدينة المنصورة بمحافظة الدقهلية المصرية. اسمه في الهوية “محمد كمال الشّناوي”، إلّا أن ما وقّعه من أعمال فنية، تمّ باسم “كمال الشّناوي”؛ عاش بداية حياته في السّيدة زينب، وكان عضواً في فرقة المنصورة الابتدائية، قدّم أوّل أدواره وهو في هذه المرحلة، من خلال فرقه المنصورة المسرحية، كما كان عاشقاً للفنّ التّشكيلي وللتّصوير إلى جانب الغناء، ليلتحق لاحقاً بمعهد الموسيقى العربية، علاوة على أنّه درس في كلية التّربية الفنية بجامعة حلوان، وفيها قدّم أوّل تجاربه التّمثيلية الحقيقية من خلال دور البطولة في إحدى المسرحيات الجامعية، شاهد العرض الفنّان زكي طليمات، ليؤكّد له بعد العرض أنّه موهوب، وعليه أن يركّز على التّمثيل، وبعد تخرّجه من كلية التّربية الفنية عمل مدرّساً للرّسم لمدة عامين.
الكاريزما
ما قاله طليمات للشّناوي لم يغادر رأسه حسبما ذكر لاحقاً: “كان لكلمته بأنّي موهوب في التّمثيل أثر كبير في نفسي، وبالفعل دفعني لأركّز على التّمثيل”؛ فها هو الواثق من موهبته ووسامته ينتقل للعيش في القاهرة، وكلّه يقين بأنّه إذ طرق أبواب السّينما لن يردّها أحد في وجهه، وفي القاهرة.. بدأ البحث عن الخطوة الأولى التي سيخطوها، معتمداً الكثير من الأساليب والحيل المشروعة “حسبما أكّد مؤرّخو السّينما”، حيث بحث عن المقاهي التي يرتادها أرباب الوسط الفنّي من نجوم ومخرجين، إلّا أنّه لم يتقّدم ولا مرّة ليُعَرِّفَ عن نفسه بأحدهم، بل بحث عن مبادرتهم للتّعرف إليه، إذ كان يرتدي أفخم ما لديه من ملابس، ويتمشّى ببطء أمامهم؛ وفعلاً.. أصابت حيلة “الكاريزما” التي اتبعها الشّناوي، فها هو المخرج حسين فوزي يستوقفه ذات مرّة ليسأله: “أتحبّ أن تعمل في السّينما؟”، ليأتيه الرّد مفاجئاً من الشّناوي بـ “الرّفض والاعتذار”، وذلك لترسيخ الثّقة في أعماقه ولتمكين حجز مقعد له – بعد قليل – بين الكبار؛ تعرَّف بعدها على الفنّان عبد العزيز أحمد، وصار صديقه المقرب، وذات يوم أخبره بأنّه يريده أن يحلّ محلّ أنور وجدي في الفرقة القومية، وافق الشّناوي واستعدّ للوقوف أمام يوسف وهبي للاختبار، وبالفعل.. وقف وحصد ما خطّط له طويلاً، إذ خرج بنتيجة “الأوّل على المتقدّمين”، لكنّه عاد ليفاجئ الجميع برفضه استكمال هذه الخطوة، معلّلاً أنّه من غير اللائق أن يحلَّ محلَّ أنور وجدي؛ “كانت السّينما أكثر إلحاحاً على تفكير الشّناوي في ذاك الوقت، وبالفعل كانت إرادته على مقدار حلمه، فشقّ طريقه دون أن يستطع أحد إيقافه” بهذه الكلمات عبّر النّقاد عن بدايات الشّناوي؛ خاصّة بعد أن سجّل أول دخول له إلى السّينما عبر فيلم “غني حرب” لنيازي مصطفى وأبو السعود الإيباري عام 1947، وبعدها بعام عبر فيلمي: “حمامة السّلام” لحلمي رفله ويوسف جوهر، و “عدالة السّماء” لأحمد كامل مرسي وأحمد شكري، شاركته “شادية” بطولة الفيلمين، لتبدأ بينهما رحلة فنية طويلة، بعد أن شكّلا ثنائياً أعجب الجمهور وصناع السّينما والنّقاد.
272 فيلماً .. أوّل شريط ملوّن
تربَّع الموهوب على عرش النّجومية في السّينما منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي حتّى أواخر سِنيِّ حياته، من خلال مجموعة متنوّعة من الأعمال الفنية التي اتسمت بالرّومانسية، والشّر، والمَعْلَمَة، والفُتُوَّة، والسّياسة؛ تارةً بتأديته لأدوار الخير، وتارة للكوميدية، وفي تارات لأدوار الشّر، موقّعاً باسمه خلال مسيرته على 272 فيلماً، وهو ما دعا النّقاد إلى القول: “هو رقم يقارب إنتاج دول بأكملها”، ليقول آخرون: “علينا ألا نغفل بأنّ الشّاب الذي طرق النّجاح من أوسع الأبواب، سجّل ذلك في الزّمن الذي كانت فيه “هوليوود الشّرق” مصر، تنتج أكثر من مئة فيلم في العام”. وفي عام 1950 حقّق الشّاب سابقتين فنيتين، بتسجيل اسمه على أوّل شريط سينمائي ملوّن في تاريخ السّينما المصرية – قبل نحو عشرين عاماً من اعتماد الشّرائط الملوّنة في السّينما بشكل شبه دائم – وكان ذلك عبر فيلم “بابا عريس” لحسين فوزي، وفي العام نفسه بفيلم “أمير الانتقام” لهنري بركات.
روح الفنّان التّشكيلي
عصر الخمسينيات الذّهبي في تاريخ السّينما المصرية، منح الشّناوي أرقامه القياسية، خاصّة أنّه شكّل ثنائية مع ملك الكوميديا اسماعيل ياسين، فنتج عن صداقتهما عديد الأفلام منها (شارع البهلوان، قليل البخت، الهوا مالوش دوا، مغامرات اسماعيل ياسين)؛ إلّا أنّ المجد الحقيقي في تاريخ كمال السّينمائي بدأ في السّتينات، حيث خبا ياسين وجيله قليلاً، لكنّ “الخطوات الفنية الحقيقة للشّناوي بدأت آنذاك” حسبما أكّد عديد النّقاد؛ حيث أنّ الوسيم الواثق بملكاته المنطلقة أوّلاً من موهبته، بقي حريصاً على الظّهور بكامل أناقته أثناء التّصوير، رغم علمه أن معظم الأفلام حينها بـ “الأبيض والأسود”، وخير ما يدلّ على ذلك، الحوار الذي دار بينه وبين الفنّان عماد حمدي، فأثناء تصوير فيلم “الليالي الدّافئة” عام 1961 لحسن رمزي، لاحظ حمدي أنّ الشّناوي يرتدي جراباً أسوداً بنفس لون الحذاء، فسأله: “لماذا تحرص دائماً على التّناسق لهذه الدّرجة؟ علماً أنّ الفيلم بالأبيض والأسود”.. ليجيب الشّناوي: “إنّها روح الفنّان التّشكيلي الموجودة بداخلي”؛ وها هو التّشكيلي الذي لم يكن يفكّر يوماً بالاستغناء عن الرّيشة والألوان، يرسم مشوار حياته من خلال الكاميرا، بأروع تصوير عبر تحفة كمال الشّيخ عن رائعة نجيب محفوظ “اللصّ والكلاب” عام 1962، “بدأت البصمة الحقيقية للشّناوي في هذا العمل” حسبما أجمع النّقاد، إذ قدّم الشّناوي دور رؤوف علوان “المثقّف الانتهازي”، والمسؤول الحقيقي عن جرائم اللصّ سعيد مهران “شكري سرحان”، فها هنا.. كان الشّناوي شريراً بجاذبية لا تقاوم، شرّيراً متحكّماً في مصير ضحاياه المباشرين وغير المباشرين.
مزيج نادر
بعد ثلاثة أعوام على “اللصّ والكلاب”، تولّى الشّناوي بطولة تحفة أخرى هي “المستحيل” أول أفلام حسين كمال، عن قصة لمصطفى محمود، وهو الشّريط السّينمائي الذي يُدَرَّسُ حتّى اليوم في معهد السّينما المصري، وذلك لتميّز الكادرات، والأداء العبقري للكاست الفنّي، والتّلاعب الفائق بظلال الأبيض والأسود، أمّا عن الشّناوي، فقد قدّم شخصية حلمي، الذي ظلّ يعيش في جلباب أبيه رغم وفاته، عاجزاً عن كسر الإطار الصّارم للحياة التي رسمها له الأب، يطوف بين دائرة من النّساء، وإن كانت الأقرب بينهنّ إلى قلبه ناني “نادية لطفي”، وهي التي ظلّت مثله تطلب سعادة وطمأنينة “مستحيلة”؛ وبعد ثلاث سنوات، سجّل حضوراً لافتاً في رائعة “الرّجل الذي فقد ظلّه” لكمال الشّيخ عن قصّة فتحي غانم، حيث جسّد الشّناوي دور “يوسف السّيوفي” الانتهازي المتسلّق في عالم الصّحافة؛ وفي هذا العقد أيضاً، بدأ الرّسام عبر الكاميرا، بتجسيد الأدوار التي قيل عنه من خلالها: “بات يلخّص الأدوار التي لا يخسر فيها أبداً، سواء كان شريراً أو طيباً”، كما راح البعض إلى القول: “هذا المزيج من الرّومانسي والشّرير والجاد وخفيف الظّل في آن واحد، لم يتوفّر سوى عند كمال الشّناوي”.
مدير الاستخبارات .. الوزير .. الرّئيس
لينتقل مع عقد السّبعينات إلى أدوار لا تقلّ أهمية عن الفترات التي سبقت، ومن أبرز أعماله فيه.. فيلم “الكرنك” عام 1975 لعلي بدرخان وممدوح الليثي، عن قصّة لنجيب محفوظ، العمل الذي وصفه النّقاد: “تخطّى كونه رائعة فحسب، هو ملحمة سينمائية”، هنا كان الشّناوي رجلاً مستبداً عبر دور مدير الاستخبارات الفاسد “خالد صفوان”، وقال فيه النّقاد: “أهم ما ميّز شخصية الشّناوي الفنية، أنّه استطاع لعب دور لا يفقد جاذبيته فيه، حتّى وهو يشرف على التّعذيب وانتزاع الاعترافات الكاذبة، تحقيق هذا النّقيض صعب للغاية إن لم يكن مستحيلاً، وهي الحالة التي لم يسبقها إليه أحد”؛ وفي الثّمانينات والتّسعينات وقّع على عشرات الأفلام أيضاً، منها (الانهيار، الملائكة، الحناكيش، الهروب من الخانكة، الوحل، عزبة الصّفيح، ملف سامية شعراوي، حلاوة الرّوح، زوجتي والذّئب، مهمّة في تل أبيب، الثّعالب، لحم رخيص، طأطأ وريكا وكاظم بيه، الواد محروس بتاع الوزير)، إلّا أنّ أشهر أفلامه في هذين العقدين، كان فيلم الكوميديا السّياسية “الإرهاب والكباب” عام 1992 لشريف عرفة ووحيد حامد، وهو الفيلم الذي أدّى فيه دور وزير الدّاخلية، وقال فيه النّقاد: “إنه من أشهر الأعمال التي خلّدت اسم الشّناوي”؛ وفي الألفية الجديدة قدم ثلاثة أفلام، هي (رجل له ماضي، جحيم تحت الأرض)، إضافة إلى فيلم “ظاظا” عام 2006 لعلي عبد الخالق وطارق عبد الجليل، الذي يعتبر آخر ظهور سينمائي للشّناوي، ولعب فيه دور “رئيس الجمهورية”.
الدّنجوان .. سيدة الشّاشة .. معبودة الجماهير
ضرب “الدنجوان” كما أُطْلِق عليه – لكثرة السّيدات اللاتي وقعن في غرامه من داخل الوسط الفنّي ومن خارجه – رقماً قياسياً في عدد النّجمات اللواتي وقفن أمامه، حيث بلغ عددهنّ 40 نجمة، شاركنه بطولات أعماله، من بينهنّ (ليلى مراد، رجاء عبده، مديحة يسري، سميرة أحمد، زبيدة ثروت، نبيلة عبيد، نادية الجندي، هالة فؤاد، نادية لطفي، سعاد حسني، برلنتي عبد الحميد، مريم فخر الدّين، ليلى طاهر، ثريا حلمي، زوزو ماضي، تحية كاريوكا، ليلى فوزي، نيللي) وطبعاً.. الفنانتان اللتان شكّل معهنّ ثنائياً يُدَرَّسْ (فاتن حمامة، وشادية)، فثنائيته مع سيدة الشّاشة العربية فاتن حمامة، بدأت مع بداية الشّناوي، وترسّخت في خمسينات وستينات القرن الماضي، واستمرت حتّى مراحل متقدّمة من تاريخ عطائهما، ومن الأفلام التي جمعتهما (خلود، العقاب، الملاك الظّالم، الأستاذة فاطمة)، إلّا أنّ صاحبة الرّصيد الأعلى في مجمل ثنائياته الفنية سُجِّلَتْ مع معبودة الجماهير شادية، إذ جمع بينهما 32 فيلماً، ومن أهمّ الأفلام التي جمعتهما (حمامة السّلام، المرأة المجهولة، ارحم حبي، عش الغرام، ليلة الحنّة، ساعة لقلبك، في الهوا سوا، أيام شبابي، الرّوح والجسد، الدّنيا حلوة، بشرة خير)، علاوة على تشاركهما في غناء “سوق على مهلك سوق”.
شمولية
الفنّان الذي سجّل حضوراً في مئات الشّرائط السّينمائية كممثّل، سجّل حضوره ككاتب لخمسة أفلام، أبرزها (وداع في الفجر، وزوجة ليوم واحد)، إضافة إلى أنّه أنتج خمسة أفلام أخرى، منها (طريق الدّموع، ونساء الليل)، وخاض الإخراج في فيلم “تنابلة السّلطان” عام 1965؛ إذاً.. لكي تكتمل شمولية الشّناوي الفنية، لا بدّ لها من عالم الشّاشة الصغيرة، وهو ما كان بالفعل.. عبر أعمال درامية بدأها نهاية سبعينات القرن الماضي، وحتّى العقد الأول من الألفية الجديدة، منها (زينب والعرش، هند والدّكتور نعمان، بيت الأزميرلي، أولاد حضرة النّاظر، لدواعي أمنية، العائلة والنّاس، آخر المشوار، لقاء السّحاب، الجانب الآخر من الشّاطئ)؛ والجدير ذكره.. أنّ الفنّان الشّامل هو أوّل فنّان مصري يقدّم برنامجاً سواء في الإذاعة أو التّلفزيون، حيث قدّم في السّتينات برنامجاً تربوياً حمل عنوان “صور وحكايات”، وعاد بعدها بعقود للتقديم من خلال “ماستر سين” عام 1996.
جوائز
حصد الشّناوي عديد الجوائز خلال مشواره الفنّي، منها: جائزة شرف من مهرجان المركز الكاثوليكي عام 1960، وجائزة الامتياز في التّمثيل من مهرجان جمعية الفيلم عام 1992، وعلى المركز الثّالث في استفتاء أفضل مئة فيلم في تاريخ السّينما المصرية الذي أجراه مهرجان القاهرة السّينمائي عام 1996 بمناسبة مئوية السّينما المصرية، ودخل المئوية بخمسة أفلام (أمير الانتقام، اللصّ والكلاب، المستحيل، الرّجل الذي فقد ظلّه، الكرنك).
القلب!
الحبّ.. لم يكن الحبّ بمعزل عن حياه الدّنجوان “الذي يجيد معاملة المرأة ويفهم طبيعتها ويعزف ببراعة على مشاعرها” كما قال عنه بعض المقرّبين منه في أكثر من مناسبة، وكما قال هو ذاته في بعض لقاءاته، إذ أحبّ في سني شبابه الأولى شابّة من جنوب السودان، “أخذت منّي قصّة الحب هذه الكثير، وأضافت لي الكثير.. انتهت بالفشل” بهذه الكلمات عبّر عن حبّه الأوّل؛ وأكبر قصّة حبّ في حياته، بطلتها شادية، فقد قال غير مرة: “شادية أكبر حبّ في حياتي، لكنّي لم أستطع مصارحتها بحبّي، لأنّها كانت متزوّجة”، بينما صرّح ابنه بالقول: “والدي لم يتزوّج شادية، خشية القضاء على حبّه لها”، إلّا أنّ المفارقة أنّ العاشق لشادية، تزوّج من شقيقتها الكبرى “عفاف شاكر”، التي عملت في الفنّ لسنوات قليلة، كما أنّ زواجهما لم يستمرّ طويلاً؛ كما أحبّ الفنّانة ناهد شريف، والتي أكّدت أنها أُغرمت به أثناء لقائهما لأوّل مرّة في فيلم “تحت سماء المدينة”، لكنّه لم يعبّر عن حبّه لأنّه كان متزوجاً، فقرّرت الابتعاد عنه، لكنّ ابتعادها لم يدم طويلاً، ولم تستطع إخفاء شراسة مشاعرها تجاهه، إذ هاتفته وطلبت لقاءه، فوافق، لتسأله: “لماذا طلب الزّواج يكون من قبل الرّجل وليس المرأة؟”.. وليجيبها: “لأنّ في هذا تكريماً لها، ليكون لها حرّية القبول أو الرّفض”، فهِمَ من سؤالها أنّها تريده زوجاً، وأكّد لها لاحقاً أنّه لا يريد هدم أسرته، إلّا أنّ رفضه لم يستمرّ طويلاً، إذ بدأ حبّها يكبر بداخله، فاتّصل بها وطلبها للزّواج شريطة أن يكون سرّاً.. وافقت.. فكان ذلك، وأيضاً.. زواجهما لم يستمرّ طويلاً، وقال في أحد مقابلاته: “إنّي فخور أنّ ناهد كانت من أغلى وأقرب صديقاتي بعد انفصالنا”؛ كما تزوّج من الفنّانة الاستعراضية هاجر حمدي، وانفصل عنها، بعد أن أنجب منها ابنه محمد، الذي درس السّينما، ويعمل مخرجاً؛ وتزوّج من السّيدة زيزي الدجوي “خالة الفنّانة ماجدة الخطيب”، وانفصل عنها، بعد أن أنجب منها (علاء “مهندسا معماريا واتجّه صوب الإخراج أيضاً”، وإيمان)؛ وتزوّج من السّيدة اللبنانية عفاف نصري؛ وكانت آخر زيجاته من سيدة سورية بعيدة عن الوسط الفنّي، اسمها “سمر”.
93 عاماً
بقي “كلارك غيبل العرب” واحدٌ من الألقاب التي أطلقت على كمال الشّناوي – نسبة إلى الهوليودي الشّهير ويليام كلارك غيبل – بقي يعمل حتّى تجاوز التّسعين من عمره، ولم يصمد أي من أبناء جيله أمام الكاميرات كما هو؛ هو الذي لم يكن من الممكن الاعتراف بنجاح أي مقلّد للأصوات في عالم هواة تقليد أصوات الفنّانين، ما لم يستطع محاكاة الصّوت المميّز للشّناوي؛ هو الذي أكّد حفيده الممثّل عمر الشّناوي أنّ جدّه كتب قصّة حياته بالكامل بخطّ يده، وأنّها تحمل قصصاً رائعة، يمكن أن ينتج لها فيلماً شيقاً. ها هو “النّاظم لقصّة حياته”، يلفظ أنفاسه الأخيرة في 22 آب/أغسطس عام 2011، عن 93 عاماً بعد صراع مع مرض السّرطان، مسطّراً مشواراً فنياً تجاوزت صفحاته السّتة عقود، وها هي النّعوات عبر عشرات العناوين المطبوعة والمسموعة والمرئية والالكترونية ترثيه بالقول: “مع وفاة الشّناوي.. الجيل المؤسس لعصر ازدهار السّينما المصرية أوشك على الانقراض – الدّنجوان يغادرنا – أسدلت ستارة ظلّ ونور كمال الشّناوي .. الوجه الآخر للقمر”.