“لام شمسية” دراما الوجع.. تتخطى الخطوط الحمراء بأقدام ذكية

“نص خبر” -كمال طنوس

 

“لام شمسية” عنوان مسلسل رمضاني. عنوان يصعب حفظه أو فهمه. عنوان محير وغريب. وما أن يبدأ المسلسل برصف احداثه حتى يصبح هذا العنوان منقوشاً في الذهن. قريب كقرب الصراخ من الفجيعة. وقرب العتمة من الضلال.

لام شمسية مجازية اللغة والابجدية واختلاطها في الحياة. فهذه الحروف الشمسية السميكة التي تلغي اللام وتسترها أو تلغيها لقسوتها ولؤمها. هذه اللام الحاضرة لكنها غير مرئية وغير مقروءة وكأنها ليست موجودة لكنها هناك قبل ذاك الحرف الشمسي السميك مغيبة.

“لام شمسية” عمل يحكي عن لؤم الضمائر وعن السّر الجارح المستتر بالحب. هذا العمل الجريء ليس لأنه يحكي عن التحرش فحسب بل لأنه يتناول أعماق النفوس وضمائرها. يطرح الأفكار بالكثير من الذكاء والتورية. لا يجاهر بقوة ولا ينفض غبار السواد بل يمر بخف ناعم وسلس وهنا تكمن جماليته المبدعة.

البطل المبطن بالاسرار

وسام الأستاذ المتهم بالتحرش انسان لطيف ومحب وحاضن ورقيق ويكرس نفسه من أجل تلامذته وزوجته وابنته. لكن حول ضفافه نجد طفلاً “تلميذه”  يوسف يعاني من الصمت والعدائية والغيرة والحب العميق غير المفهوم لأستاذه الجلاد. زوجته تعاني من الخوف والصمت المحكم. علماً هو من نوع  الرجال الذين يغسلون شعر زوجاتهم ويحضنها باستمرار ولا يغيب عنها ويردفها بأجمل اهتمام. لكن خلف هذا الحائط الناعم تكمن أخلاق جلفة وأسرار سوداء هادرة لا شك ستتكشف توالاً خلال حلقات العمل الـ 15. العمل لا يفصح جلياً عما في النفوس بل يجرعنا المشاهد نقطة نقطة. ويقدم الحالة والشخصيات من شق صغير. ويبدو المشاهد وكانه يتلصص ويخمن حول هذه الشخصيات التي لا تبدو سوية. بالكثير من الابداع والحبكة المحكمة والتشويق المثير.

الأب طارق الذي يذكرنا بالحج متولي لكن بنسخة أسوء. فهو مطلق وله ابن “يوسف” ومتزوج من نيللي وله ابن منها ايضاً ،تربي له ولديه مكرسة حياتها واهتمامها لهذا الزوج الذي يفر برجولته في كل اتجاه ناثراً ذكورته كضبع هجين فهو أيضاً عاشق لامرأة في عمله وعلى علاقة جنسية بها وحامل منه. رجل نهم لا يشبع يبذر في رحم النساء كأنه شجرة عليق تمد اشواكها في كل اتجاه وتلقح الهواء والافنان.

النساء المكلومة

النساء في العمل مظلومة مكلومة مريضة ومصابة بأمراض نفسية ، سواء المغبونة نللي التي تكوي جوارب زوجها وتنتظره بعطرها وخجلها وقميص نومها لتحفزه على الاقتراب منها وهو يأتي اليها ليلاً منتهياً، صفر نشوة فله مخبأه وسريره  مع امرأة أخرى تقوم بمهمة المقاربة. فنللي بالنسبة له زوجة تكوي وتمسح وتربي وتقف على باب حمامه لتناوله المنشفة. والمرأة الأخرى التي يقاربها هي للنشوة، وممنوع عليها أن تسأل عن مكامن عواطفه واحساسه بزوجته المنسية.  مظهراً لها إنه الكتوم والحريص على خصوصيته لو باح بدا وضيعاً. علماً وضاعته تفوق أن يحتويه بحر واسع.

اما زوجة وسام رباب” يسرا اللوزي” مشاهدها تقطع القلب. وجه حزين جامد بارد صامتة مكلومة مجروحة خائفة مبلوعة. تنام بقرب سفاح لم نعرف عنه سوى الحب واللطافة والكتمان. لكن كل من حوله مدمر. كل من يقاربه يعيش التلوي والوجع الصامت.

البطل التمساح 

وسام “محمد شاهين “تنين العمل وتمساحه. ملفوف بألف سر. معجون بالتلفيق والمواربة. مطلي بالشواذ والإشمئزاز. باطني. لا بد أن نكشفه في الحلقات القادمة على حقيقته التي بدأنا بتلمس جلدها ومعرفة ألوانها.

تعرف إن الكاتبة امرأة فالنص عميق كالرحم

هذه الدراما القوية لا بد ان تعرف انها من كتابة امرأة  لأنها مغامرة وجريئة ومنضوية ومخفية. تماماً كالرحم. الرحم الذي يخلق وينشئ ويحضن وفيه تكمن أسرار الحياة. ومريم نعوم الكاتبة قدمت هذا العمل بروحية الرحم الذي يقدم ويعطي ويضحي ثم يلد بوجع وصراخ. وتنشأ الجنين دون أن نعرف لونه وخصاله وشكله.

المخرج له انامل رسام ناعمة ومبدعة

المخرج اجاد لعبة تقديم الوجبة الدرامية بجرعة قوية من التشويق والاثارة والذكاء. المخرج  كريم الشناوي قدم هذا المسلسل وهو يمشي على رؤوس الأصابع بتوجس ونعومة. وحمل أنامل رسام مبتكر يولد المَشاهد ويرسم لوحة العمل بالتدرج حتى يعطينا الرسم المكتمل في النهاية.

أمينة خليل بشخصية “نيللي” قدمت دوراً منهكاً وصعب. أجادته حتى بدا عفوياً إلى أقصى الحدود. والأكثر فزعاً دور يسرا اللوزي بشخصية رباب” الصامتة. استطاعت بصمتها أن تقيم الحوار وتوصل الرسالة وتشعرنا ببوح مؤلم لم تقل منه كلمة لكننا شعرنا به ووصل الينا. وكشفت بصمتها وبرودتها وزيغ عيونها كل وجع وكل الأفعال المشينة التي تحيط بها علماً لم نر منها شيئاً لكن شخصيتها وعيونها انبأت بكل ذلك.

 

قد يعجبك ايضا