لقد شمّ الكلب رائحة سيده الجديد!

رانيا يوسف – كاتبة سورية
لقد شمّ الكلب رائحة سيده الجديد..
هل ومضت بذهنك صورة كلب تعرفه؟! لكنني لا أعنيه، هات يدك وتعال معي لأقصّ عليك حكاية على أرض غير هذي الأرض نبتت حياة، لمّا لم يكن بعد للأشياء اسمها وعناوينها، لمّا كان جبروت نقائها يخيفك ويؤدبك، للوقت جثّة تغيب معك، أرعبتك فكرة العدم فقاومتها بالتكاثر، تغيّرت …وبنتك المعارف الأولى البسيطة، والمشاعر البكر الساذجة، لكنّ عشقك للخلود المسلوب ظلّ يقضّ مضجعك ، وينمو كحريق بداخلك.. فتأنسنت ربّما يكون بيننا أيّها القارئ سلف مشترك، محارب على طريقته، ربّما كان ملكاً أو شحاذاً ..بطلاً أو لصاً، لكنّه وبطريقةٍ لن نعرفها، نجا ببدنه واستمرّ .
كلّ القوة بلا علم محضُ فقاعة، وكلّ الذين تخطئ أنوفهم شمّ رائحة القوة محض بيادق
أفكّر كثيراً به ، بصوته لمّا كان يعقد صفقات البقاء حتّى لو كانت مع الطبيعة.. على شكل قرابين وأضحيات، كيف ركن مع غيره من أسلاف كثرٍ آخرين، إلى تبدلات كثيرة ، كيف وجدوا أنفسهم فجأةً داخل خرائط لدولٍ تنبت وتموت، في سعيهم المحموم والمبرر للبقاء، امتهن الكثير منهم الانتهازية، وتبسّموا بوجه كل قوي عتيد، خانوا عهودهم، ومواثيقهم، ورفعوا أسلحتهم في وجه من كان سيّدهم إلى وقت قريب، خانت دليلة شمشون وكشفت سرّ قوته لأعدائه فأسروه، وفازت سالومي برأس يوحنا المعمدان، ويقال أنها خسرت رأسها في بحيرة جليديّة، وتحت مظلّة الحكم لأعتى الإمبراطوريات والدول في العالم القديم والجديد، حيكت كلّ أنواع المؤامرات والدسائس، كلّما زاد خوف الطغاة ..قست قلوبهم وأكلوا رأس أقرب الناس إليهم، وأنتجوا طبقةً دائمة التجدد من المنافقين . إرجع معي إلى زماننا…حيث الفقر فيه عيبٌ لا يُغتفر، زماننا هذا الذي يغلي بالتناقضات، ويمور بالأسلحة الحبلى بالموت والكراهية، يختار الأقوياء سادتهم، وسيّد عصرنا هذا بلا منازع هو العلم. لم يعد الموت هو فناءنا الوحيد، صرنا نخشى الموت عجزاً أمام تغوّل الذكاء الاصطناعي الذي لا حدود لإمكاناته ولا رقيب على قفزاته، وبتنا متأكدين تماماً أننا في المستقبل القريب موتى حتّى لو كانت أجسادنا تعيش، إذا لم نقدّس العلم ..كما قدّس أسلافنا المجهول،  يا صديقي: كلّ القوة بلا علم محضُ فقاعة، وكلّ الذين تخطئ أنوفهم شمّ رائحة القوة محض بيادق.
قد يعجبك ايضا