لمياء المقدم: يكاد يكون الأدب العربي مختطفاً وبحاجة لمن يحرره

11 يونيو 2023

حاورها: هاني نديم

دون مجازات ولا بلاغات مبالغ بها، تكتب الشاعرة التونسية لمياء المقدم نصوصها الجريئة وتحتج على أننا نقول “جريئة” كون هذا الوصف يقال للنساء ولا يوصف به الشاعر الرجل. وفي حقيقة الأمر لقد لفتت نظري إلى صوابية هذا الموضوع في غالب أمره. على كل حال، إنها شاعرة خاصة، نصها مضيء وكوني لا يلزمه معجم ولا يحكمه ملزم.

دردشت معها جول تجربتها الغنية بين تونس وهولندا والعالم، سألتها:

  • معجمك صارخ، واضح، جريء، نصك لا يهادن ولا يدور الزوايا، هل تتعمدين هذا؟ كيف تكتبين وهل من “كروكي” مسبق لنص لمياء؟

– أكتب بطريقة واضحة لسببين، الأول هو أنني أشعر بحرية أثناء الكتابة. الكتابة الحرة هي التي لا يفرض على الكاتب فيها شكل من أشكال الضغط الديني أو الاجتماعي أو السياسي أو الأخلاقي، وليست لها أهداف خارج نفسها. النص هدف في حد ذاته وقد يصل بي الأمر أحيانا إلى محاولة تحريره مني، وطالما أنني لا أشعر بالخوف أثناء الكتابة فلا داعي إلى التخفي وراء الاستعارات والمجازات والالتفاف على الكلمات والمعاني. وهو ما قد يسميه البعض جرأة في الكتابة.

صفة الجرأة تطلق فقط على كتابة المرأة إذا لاحظت، ولن تجد من يصف كتابة الرجل هذا الوصف لأن الجرأة في هذا السياق هي حكم أخلاقي يسلط على النص من خارجه، بينما أنا أنحو إلى تقييم النصوص تقييماً إبداعياً ضمن سياقها. فإذا كتبت المرأة عن الجسد مثلا، فهذا لا يعني أنها تعري جسدها للجميع وإنما تطرح وجهة نظر شعرية وإبداعية للجسد، تماما كما فعلت الفنون والعلوم الأخرى قبلها كالفلسفة أو علم النفس أو المسرح.

السبب الثاني يكمن في رغبتي في تبسيط الشعر، والنزول به من مرتبة “الإعجاز اللغوي” إلى “الإعجاز الإنساني”. اللغة مجرد أداة تأخذنا إلى الشعر وهي بهذا المعنى عائق بيننا وبينه أيضا وكلما رقت الأداة وشفت، كلما اقترب الشعر منا واقتربنا منه.

التحوّل إلى إنسان كوني أهم تجاربي الحياتية والشعرية على الإطلاق. لست أكثر ولا أقل قيمة من أي إنسان في أي نقطة في هذا الكون

 

  • كيف كانت قصيدتك في تونس وكيف أصبحت وأنت خارجها؟ هل شكل هذا فرقاً فنيا؟

– بدأت بكتابة الشعر في سن ١٤ وانتقلت إلى العيش في هولندا في سن ٢٣. تجربتي في تونس كانت في بدايتها، ولم أكن قد أصدرت أي ديوان ما عدا نصوص متفرقة نشرت في بعض الدوريات والمجلات. رغم ذلك أستطيع أن أقول عن هذه المرحلة أنها من أهم مراحل الكتابة عندي لأنها مرحلة التشكل، ولا زلت ألاحظ -بعد مرور كل هذه الأعوام- أثرها في النصوص التي أكتبها الآن.

هولندا منحتني شيئا مهما وهو فقدان المركزية الثقافية. فأنت تشعر هنا بأنك واحد من مئات الجنسيات القادمة من ثقافات مختلفة جميعها لا تقل أهمية عن ثقافتك التي كنت تعتقد أنها مركز الكون.

التحول إلى إنسان كوني أهم تجاربي الحياتية والشعرية على الإطلاق. لست أكثر ولا أقل قيمة من أي إنسان في أي نقطة في هذا الكون. هذا الامتداد الشاسع انعكس على كتابتي أظن لذلك لن تجد فيها مغالاة أو انحياز لفكر أو انتماء أو قناعات معينة بقدر ما هي احتفاء بالإنسان في كل زمان ومكان.

 

  • كيف تصفين علاقتك بالأدب العربي عموماً والأدباء العرب، كيف ترين المشهد العام، ماذا ينقصه وماذا عليه أن يفعل؟

–  أتابع ما يكتب وأقرأ ما تطاله يدي من اصدارات، كما أشارك في المهرجانات والمعارض العربية وأتواصل مع الساحة الأدبية بشكل عام، لكنني في المقابل لا أعرف شيئا عن دواليبها وليس لدي اطلاع على المحركات التي تديرها. أي أن علاقتي تقتصر على الإبداع وصناعه وليس لي علاقة بتجاره ومهندسيه.

الأدب العربي في العشريات الأخيرة إما مغيب أو يعاني من التوجيه والمركزية أو التهميش. تشعر أحيانا كأنه مختطف ويحتاج إلى من يحرره. حتى التجارب التي تظهر تكاد تكرر نفسها باستمرار وكأنها تدور في حلقة مفرغة. بالكاد نجد من يقفز خارج هذه الدائرة.

المرحلة الحالية مرحلة صعبة على جميع المستويات. وفي اعتقادي أن ما نحتاجه هو التعاطي مع الأدب من وجهة نظر إنسانية ووجدانية وليس كمنتج ثقافي وسياسي. تحرير الكاتب والقارئ معا من سجن الموروث والثقافة والعودة به إلى الإنسان.

المرأة المبدعة مثلا ركزت في العشريات الأخيرة على المطالبة بحقوقها والمساواة مع الرجل ونسيت أن لها جسد ووجدان وانهزامات وانتصارات شخصية. ما نحتاجه هو التخلي قليلا عن “توظيف” الإبداع وتحريره من مشاغلنا الفكرية.

الأهداف الأخرى جميعها تتحقق مع تحقق الكينونة. الأهم من كل ذلك حسب رأيي هو الانعتاق من السجن الذي وضع الإبداع العربي نفسه فيه، وإطلاق عنان المخيلة خارج ما هو متوفر ودخول مناطق جديدة وجر القارئ نحوها، حتى وإن كان لا يرغب فيها أو لا توائم ذائقته الحالية. يحتاج المبدع إلى الإمساك بزمام الأمور مجددا وقيادة عملية الإبداع بدلا من الانسياق وراء ذائقة القارئ وأحكامه وايديولوجياته. ما ينتج اليوم هو فكر القارىء وليس إبداع المبدع للأسف.

قد يعجبك ايضا