12 يونيو 2023
رانيا يوسف – كاتبة سورية
قالت وصيفة في رواية الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي “لو كانت الواحدة تلاقي الأكل والشرب قدامها، وتقعد طول عمرها كده، تغني وترقص، ولا تحملش هم حاجة في الدنيا” والله يا وصيفة الأكل والشرب سدوا عين الشمس، لكننا لا نغني ولا نرقص ونحمل كل هموم الدنيا.
بحسد دفين أذكر نساء قريتي واللواتي مهما اختلف نصيبهن من الجمال، كنّ يجبرنني على الإعجاب بهنّ، وهنّ يسويّن بعناية أطراف مناديل الحرير حول وجوههن، يشعّ الرضا والسرور من محياههن، يضحكن ملء القلوب ضحكا صافيا رقراقا، لا تشوبه أية غّصة. يفرحن بالقليل الذي تملكه العائلة، وتصير الواحدة منهنّ ملكة إذا ما غنّت أو رقصت في عرس ابنها، وتشكر الله بكلّ جوارحها لأنّه أقفل دائرة أمنياتها.
وكانت الروح في الصدور المتعبة وضّاءة. حتّى إذا ما رجع الرجال في الليالي المدّلهمات، وعبروا الدروب المتربة، اطمأنّوا معجبين من هاتي النسوة اللواتي يجدن ترويض العالم المبهم، ويزرعن الأصابع الجديدة للصغار الذين سيكبرون يوما، يصلّين كثيرا بقلوب واجفة كي تدبّ البركة في القليل الذي تملكه العائلة. نساء إذا ما غبن دلّت عليهن أصواتهنّ، ورائحة الأمومة الأصيلة، كلّ أنثى كانت أمّا، وكلّ أنثى كانت بوصلة، ويالسعد التائهين.
يا وصيفة ألسنا الآن تائهات? قسونا على أنفسنا بأكثر مما نطيق، يحزّ القلق رقاب لحظاتنا الجميلة، وينمو الخوف كالطحالب في أعماقنا، لأننا نريد مزيدا لا نعرفه، الأشياء البسيطة في أعيننا ستكون أكبر من دهشة قلبك وانشداه عقلك، هذه الأشياء ليست تعنينا في شيء، جمالك الغضّ المتفرد، الذي أثار حسد النساء وعذابات الرجال، صار جمالا سهل المنال، وكلّ ما هو سهل يفقد قيمته. تعلّمنا كيف نغطّي البشرة الصفراء الجافة بطبقات من مساحيق الاحتيال، وكيف نرسم عيونا غير العيون المتعبة الكالحة.
جنبا الى جنب تستعر معدّلات العنوسة والطلاق، تبحث النساء في شبه يأس وأسى عن رجالات في رجل واحد، لكنّهن يدركنّ بحدسهّن المتوارث أنّهن ينشدن الرضا والحماية حتّى من أنفسهن، صرن شرهات للوصول إلى القمة .. أيّة قمة، وهنا مقتل النساء الهشات. حيث تعذّبهن جذوة الأنوثة والتفوق، فيتقاطرن إلى مراكز التجميل، النوادي، الرحلات، الحفلات، النشاطات، وحديثا يسقطن في براثن وسائل التواصل الاجتماعي، سلعة سخيفة ومثيرة للشفقة سريعة الانطفاء كحلم شهي. فهذا الزمن يتقن اصطناع السعادة كما يصطنع الحروب والأمراض والكوارث.
كلّما انقضت بهرجة هذا العالم، وحلاوة تحقيق الأهداف على مكامن الراحة لدينا هزّنا القلق بعنف نحن المكبلون بالعقد، هل كنتنّ قلقات ..أم أنّ القلق لا يزور البسطاء والمؤمنين لأنهم يعيشون حياتين … واحدة يسعدون لإنقضائها على الأرض وأخرى يسعدون لأنّها ستكون عوضهم ومكافأتهم في السماء الشك لم يعرف طريقا إلى قلوبكن، لكنّه زرع في أعيننا. حزينات نساء هذي العصور ومتعبات، يدارين انكسارهنّ بالإنجازات، وهي كثيرة كثيرة، يكبر الأولاد بعيدا عنّا، مع أنّنا ندركهم بكلّ حواسنا، ونغيب في دوّامة المنافسة الشعواء ….وليس يرضى الناس يا وصيفة …ليس يرضى الناس
